كان استقرار المركبة على أرض كوكب جليزا حلمًا بالنسبة لليوناردو؛ فعندما تعيش في كابوس مؤلم يكون حلمك الوحيد هو الاستيقاظ والوصول إلى كوكب جليزا، كان كذلك بالنسبة لليوناردو. إنه يأمل بأن يتخلص من تأنيب ضميره ويأمل أيضًا بأن لا يكون قد تأخر، وإن حدث شيء فسيشعر هكذا لبقية حياته. شعور بالاختناق والألم كأن روحك لا تطيق البقاء في جسدك، تشعر عندئذ بأنك غير قادر على النظر إلى نفسك وإن نظرت ستشعر عندها بالدناءة، ستشعر بأنك لا تطيق أن تكون أنت.
كان ليوناردو في حالة تلهف لمغادرة المركبة حتى أوقفه ألبرت وقد كان يقر داخله بضرورة الحديث مع ليوناردو قليلًا قبل أن يتهور.
«لا تجعل كل ما فعلته يذهب هباءً منثورًا». قال ألبرت وهو ينظر نحو ليوناردو بعمق وجدية، كان يرغب بأن يكون موقفه ثابتًا قدر المستطاع حتى يستطيع التأثير على ليوناردو بطريقة أو بأخرى.
«لن يصبح ما فعلته هباءً منثورًا بل سيصبح ذا قيمة لأنني لن أكون جبانًا بعد اليوم، ولن أجعل تلك السلسلة تستمر، سلسلة الضحايا الذين يدفعون الثمن من أجل الأقوياء». احتدت ملامح ليوناردو ثم أتبع قائلًا: «هل عرفت الآن بأنني لن أسمح لأي شيء بأن يذهب هباءً منثورًا؟».
«وماذا عن والدتك؟ ألم تكن هدفك الأول؟ هل ستضحي بكل شيء؟»
أحدثت كلمات ألبرت غصةً عميقة في قلب ليوناردو، شعر بأن عضلات قفصه الصدري تتقلص لتطبق على قلبه وتؤلمه كثيرًا. إنها الغصة الأعمق في حياته، ولكنه وجد الأفكار والكلمات التي لم يسمح لها يومًا بالتحرر تنبعث إلى رأسه، حتى أنه وجد الكلمات تنبعث من شفتيه بنبرة مهشمة ومبحوحة:
«ربما أكون قد كذبت على نفسي طوال تلك السنوات، رغبت بأن أعيش على الأمل عوضًا من اليأس، لقد أخبرني الكثيرون بأن والدتي قد توفيت حتمًا منذ زمن وأنه يستحيل على جوزيف إبقاؤها على قيد الحياة؛ فهو لا يستطيع كبح لجام غضبه وسخطه دون أن ينتهي بالقتل، وعوضًا من الانهيار والبكاء كنت أغضب بشدة وكنت أخرس كل من يقول هذا، ثم عندما أنفرد بنفسي كنت أكذب عليها دومًا حتى صدقت تلك الكذبة وبدأت أنجرف وراءها.»
لم يكن ليشعر بالدموع التي تجمعت في عينيه سوى عندما فقدت الرؤية لديه وضوحها ولم يجد مفرًا من سقوطها عندما قال بصوت مختنق:
«ربما هي لم تكن يومًا على قيد الحياة منذ أن فقدتها، ربما لم يعد لها وجود وقد فعلوا كل هذا حتى أفعل ما يرغبون به، وسرعان ما سيلقون الحقيقة في وجهي دون مبالاة، لكنني فعلت كل هذا لأنني رغبت بالتصديق بأنها حية، لم يرغب عقلي يومًا بتقبل احتمال وفاتها قط.»
إنها رغبتنا بالعيش مع الأمل من تدفعنا للكذب على أنفسنا، ثم تصديق الكذبة عندما لا نكون قادرين على تقبل الحقيقة.
«ربما تكون فعلًا على قيد الحياة». رغم سماع ألبرت كلمات ليوناردو المتيقنة من الجانب المظلم وجد نفسه يرغب بجعله ينظر إلى الجانب المشرق ثانيةً مهما كلف الثمن، أراده أن يظل مؤمنًا بما ظل يؤمن به سنوات طويلة.
أنت تقرأ
بعيداً عن الأرض✔️
Science Fictionالتفت يراقب الشمس و هي تغيب بعيداً بين الأفق بينما كان الهدوء الذي حل في الأرجاء لا يشوبه إلا صوت صراخها و بكاءها. أدرك بأن غياب شمس هذا اليوم ليست سوى إشارة على غياب كل شيء متعلق بالماضي و غداً عندما تشرق شمس نهار جديد سيبدأ كل شيء جديد في مستقبل...