وقفتْ كيندال بالقرب منه و لم تجلس مُطلقاً حتى بعدما طلبَ منها ذلك ، كان كلُّ ما تريدُه إلقاء الكلام الذي يسكنُ في قلبها طويلاً و لم يكن بِمقدوري التدخل و منعها ؛ لذا بقيتُ صامتة أنظرُ إليهما .
" لماذا رغبتَ برؤيتي بعد كل تلك السنين ؟ من أكون بالنسبة لك؟ لأنّي أشكُّ بِكوني ابنتك أو ابنةَ أُمّي . هل تظنُّ نفسك أباً ؟ فأنت لا تستحق أن أُناديكَ بذلك لا منٌي و لا من أُختي الصغيرة ، و إنني لأحسدُها كونها ماتتْ قبل أن تتخلو عنها كما فعلتم بي ... آه صحيح ، أنتم لن تفعلوا بها هذا لأنها ليست أنا ، لأنها ليستْ ابنتكم المجنونة . الفتاة التي لم تستطع إظهارها لمجتمعك الآخر بل بقيتهم تُدَثِّرونها من العلن عبر أسبابٍ كاذبة ، فَـ لو أن أُختي الصغيرة كانتْ موجودة لكنتم حجبتم عني العالم بإظهارها للجميع . كم أودُّ أحياناً أنِّي متُّ في تلك الخزينة في ذات الْيَوْم الذي ماتت فيه أُختي لكن كان على إحدانا أن تُخبر الأُخرى عن هذه الحياة ... لهذا لِتعُد لحياتكَ تلك حيثُ كنتُ من البداية أخلو منها ، فهذا أفضل لِكلانا " ألقتْ كيندال كلماتها بِنبرة هادئة و جارحة تكبتُ في داخلهم بِـ جُلِّ قوتها غضبها و ألمها .
والدها بقي مُتعجباً منها و لم يقاطعها مُطلقاً ، و هي لم تنتظر أن يُجيب على كلامها ، خارجةً بخطواتٍ سريعة بالرغم أنه كان ينادي باسمها مراراً و تكراراً . حاولتُ لحاق كيندال حتى وصلنا حدود الطريق ثم صرختُ بها عن سبب كل هذا الكلام الذي قالته له ، فهي لم تعاتبهم طوال تلك السنين فما الذي تغير الآن ؟
" هل تشعرين بالتحسن لقولك كل ذلك الكلام الجارح لوالدك ؟ " سألتها بمسحةٍ من الغضب لكنِّي أدركتُ متأخراً أنِّي لم أفهم مشاعرها حقاً .
أجابتني بِنبرة شجيَّة ألحَّتْ كثيراً على عيني كي تبكي عندما رأيتُ تلك الدموع تتجمعُ في طرف مقلتيها " هل تظنين أن مشاعره من جُرِحتْ فقط ؟ فقد جُرِحتُ أضعافاً مما جُرح ما إن قُلتُ ذلك الكلام له ، بقيتُ طوال تلك السنين أُقنعُ نفسي بأن يوماً ما سنعود كعائلة سعيدة كما كنا من قبل عندما كانتْ أُختي على قيد الحياة ؛ لكن بعد وفاتها و دخولي المصحّة عائلتنا التي كنتُ أنا و أُختي نُحبها قد اختفتْ ، أمنيتها البسيطة في ذلك الوقتْ لم تتحقق و لم أقدر حتى الآن فعل ذلك . لِيشعرا بألمي و جُرحي قليلاً ، فذلك المجتمع و تلك الأموال ألهتهم حتى ما عادوا يعرفون معنى عائلة أو سعادة ، فَـ ها أنا أملكُ كل شيء و لا ينقصني شيء ، لكن كل ما احتاجه هو عائلة تسأل عني و لو من حينٍ إلى حين ، فهذا هو الشيء الوحيد الذي لم أشعر به منذ صغري ، لذا كلما كبرتُ شعرتُ بالنقص في داخلي يتولد ، و بِعكسِ الجميع الذي يفكر أن ينفصل عن والديه ما إن يكبر أدركتُ أنِّي الوحيدة التي تريد البقاء مع عائلتها و لا تريد الفراق عنهم ، فالإهتمام هو الذي كنتُ أبحثُ عنه طويلاً ... لفترة طويلة غَمَرَتْ نصفَ عُمري و لكن ما إن تلقيته من ذلك شخص ظهر أنه الآخر لا يختلف عنهما " .
أنت تقرأ
وَ كَأنَّها مَنسِيَّة - يوميات طبيبة نفسية
Mystery / Thriller-أحياناً... قد تكون الأخطاء التي تؤذينا و تؤذي غيرنا ليس لكوننا لم نتكلم، بل لأننا لم نصمت في الوقت الذي يجب أن نسمع فيه نبضات قلوبنا عوضاً عن صدى كلماتنا. -لذا أرجوك يا من تَسْمَعُنِي، لا تحكُم عليَّ من عِنْواني، فقد ضِقتُ ذرعاً بِحُكمِ البشرِ على...
..[46]..
ابدأ من البداية