الفصل الخامس

7.8K 511 255
                                    

الفصل الخامس

وكأن كسوفًا كليًا للشمس قد حدث لتوه، فأحال السماء المضيئة إلى ليلٍ حالك، فحضور ذلك الشخص المزعج وحديثه بأريحيةٍ أقلقها، وجعل الأفكار تتصارع في رأسها المشحون. توترت "بهاء"، وارتاعت "بسنت"، وراحت الاثنتان تحملقان بأعين متسعة في وجه "عمر" المسترخي تمامًا. لم تجرؤ أيًا منهما على النطق بكلمة، فساد صمت مخيف في الأجواء، تتخلله الهمهمات غير الواضحة بين الثلاثة أشخاص.

بدا صوت "بسنت" مرتعشًا وهي تهمس بالقرب من أذن رفيقتها:

-تفتكري بيقولوا إيه؟

ردت عليها "بهاء" في صوت خفيض ممزوج بالقلق:

-مش عارفة، بس قلبي مش مرتاح.

عبرت الأولى عن مخاوفها قائلة بذعر احتل كامل تقاسيم وجهها:

-ولا أنا، واحتمال يكونوا بيتكلموا عننا، وبيحكي عن اللي حصل وآ..

مالت "بهاء" برقبتها للجانب قليلًا حتى تتمكن من الحصول على زاوية رؤية جيدة، بدا من موضعها أنه غير قادر على رؤيتها، فاستراحت إلى حدٍ ما، وتراجعت إلى مكانها هاتفة في صوتٍ خفيض:

-هو شكله مش شايفنا أصلًا!

أراح صديقتها هذا الاعتقاد المؤقت، وأمنت عليها:

-يا ريت بجد.

ظللت كلتاهما محاصرتان في موجة من الأفكار المضطربة، وتأملان في أعماقهما أن ينقضي هذا اللقاء سريعًا دون أن يدري هو تحديدًا بوجودهما.

..............................................

رغم ارتفاع درجة حرارة الجو نسبيًا إلا أنها لا تقارن أبدً بحرارة المشاعر الصادقة المتبادلة بينهم، فما أجمل استعادة ذكرى الأحباب الراحلين بالالتقاء بمن يعيد إحياء ما فُقد وتناسى عبر السنوات. باهتمامٍ واضح تساءل "سليمان" وهو يمسح بمنديله القماشي العرق الذي راح يتجمع عند جبينه:

-والست الوالدة كويسة؟

أجابه "عامر" باسمًا:

-الحمدلله هي بخير.

رد عليه في نبرة تقديرٍ:

-دايمًا يا رب، هي من خيرة الناس والله.

شكره على لباقته مرددًا:

-تسلم يا عم "سليمان".

استطرد متحدثًا بحماسٍ ظاهر:

-صحيح نسيت أعرفكم ببنت أخويا، حاجة من تربية زمان.

ثم استدار برأسه نحو سيارته مناديًا:

-تعالي يا "بيبو".

نفضة قوية جعلت "بهاء" تقفز في مقعدها عندما ناداها عمها فجأة، وأخذت تهسهس:

ضبط وإحضار - مكتملة ©️حيث تعيش القصص. اكتشف الآن