التوصيات
للحكومة السعوديّة
· ملاءمة حوكمة صندوق الاستثمارات العامة السعودي مع "معايير سانتياغو"، وهي مبادئ وممارسات مقبولة دوليا تتعلق بصناديق الثروية السيادية، بسبل تشمل توفير حماية لحقوق الإنسان ومكافحة الفساد.
· إرساء آليات لحريّة التعبير والحوكمة الفعّالة تُمكّن الجمهور السعودي من التحكم في ثرواته وتوجيهها والاستثمار في الصالح العام.
· ضمان الحق في حريّة المعلومات في "النظام الأساسي للحكم" السعودي.
· سن وتنفيذ قانون عام لحرية المعلومات.
· جمع ونشر مؤشرات الفقر الرئيسيّة، بما فيها تلك المتعلقة بالوافدين.
· التحقيق في المزاعم التي تقول إنّ الأصول التي تم الاستيلاء عليها دون احترام للإجراءات الواجبة في 2017 قد وُضعت في الصندوق.
· إطلاق سراح الباحث والكاتب الاقتصادي عصام الزامل، الذي اعتُقل في سبتمبر/أيلول 2017 ويُحاكم بتهمة الانتماء إلى "الإخوان المسلمين"، والذي شكّك في التوقعات السعوديّة للإيرادات المتأتية من الطرح العام لشركة أرامكو.
· إطلاق سراح أفراد قبيلة الحويطات المحتجزين بسبب احتجاجهم السلمي على عمليات الإخلاء أثناء مشروع نيوم الضخم، وإلغاء الأحكام ضدّهم.
· إلغاء أحكام الإعدام الصادرة بحق إبراهيم صالح أحمد الحويطات، عطاء الله موسى محمد الحويطات، وشادي أحمد محمود الحويطات، المحكوم عليهم بالإعدام بسبب احتجاجهم على عمليات الإخلاء القسري أثناء مشروع نيوم الضخم.
· وقف مشروع وسط جدّة المموّل من الصندوق والتحقيق في المزاعم المتعلقة بعمليات الإخلاء القسري.
· احترام حق السكان في المناطق المتضرّرة من مشروع وسط جدّة، المموّل من الصندوق، في الاحتجاج السلمي.
· التشاور مع التجمعات التي قد تتأثر بالهدم، وتوفير السكن البديل المناسب والتعويضات اللازمة إذا تمت إزالة منازلهم أو مؤسساتهم التجاريّة من أجل مشروع وسط جدّة الممول من الصندوق.
· الإفراج فورا عن جميع السجناء المحتجزين لمجرّد ممارستهم السلميّة لحرية التعبير وتكوين الجمعيّات، بمن فيهم السجناء المدانون بجرائم مزعومة، والسجناء الخاضعون للمحاكمة حاليا، والسجناء المحتجزون تعسفا.
· التحقيق في مزاعم التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة من قبل هيئة مستقلّة، مع ضمان محاسبة الجناة وتوفير سبل الانتصاف للمتضررين.
· السماح للمراقبين الدوليين بدخول البلاد ومنحهم حق الوصول غير المقيّد إلى المحتجزين.
لصندوق الاستثمارات العامة السعودي
· نشر معلومات مفصّلة عن مجلس إدارة الصندوق والعلاقات بين المديرين كأفراد واستثمارات الصندوق والشركات التابعة له، بما يتماشى مع مبادئ سانتياغو.
· نشر وثائق الحوكمة الرئيسيّة للصندوق، بما فيها المراسيم المتعلّقة بأعضاء مجلس الإدارة منذ 2015.
· نشر وثائق صنع القرار الداخليّة الرئيسيّة للصندوق، بما في ذلك محاضر الاجتماعات، والمراسيم، والوثائق الأخرى ذات الصلة.
· الكشف عن جميع المخططات التنظيميّة التي تعكس الهيكل المؤسسي والمسؤولين والمديرين والموظفين في الصندوق، والشركات الفرعية التي يملكها بالكامل، في شكلها الحالي.
· وضع وتنفيذ مسار خاص بحريّة المعلومات بما يتفق مع المعايير الدوليّة.
· في العقود المستقبليّة، إنهاء استخدام بنود عدم التحقير أو التشهير أو غيرها من الشروط التعاقديّة التي تحدّ قدرة المتعاقدين على التحدث علنا أو سرّا عن انتهاكات حقوق الإنسان، والتعهد بعدم السعي إلى إنفاذ مثل هذه البنود في العقود القائمة.
· نشر بيانات مفصّلة عن استثمارات الصندوق والشركات التابعة له في الأسواق الأجنبيّة.
للشركات المتعاملة مع صندوق الاستثمارات العامة السعودي
· إجراء فحص شامل ومستقل قبل خوض أيّ أنشطة تجاريّة مع الصندوق والشركات التابعة له، بما يتماشى مع "مبادئ الأمم المتحدة التوجيهيّة بشأن الأعمال التجاريّة وحقوق الإنسان".
· اعتماد سياسات لتحديد ومنع مخاطر المساهمة في أضرار حقوق الإنسان المرتبطة بعلاقتها التجاريّة مع الصندوق.
· الامتناع عن ممارسة أعمال تجاريّة مع الصندوق عند تحديد آثار ضارّة خطيرة على حقوق الإنسان لا يُمكن تجنّبها من خلال تقييمات العناية الواجبة.
· فهم أنّ الشركات تُعتبر مسؤولة عن الانتهاكات من خلال "علاقاتها التجاريّة"، وأن مفهوم "العلاقة التجاريّة" ينطبق على العلاقة بين الشركة وصندوق الثروة السيادي الذي استثمر في تلك الشركة.
· عدم خوض علاقات تجاريّة مع أصول الصندوق التي صادرتها السعوديّة من مواطنيها دون اتباع الإجراءات القانونيّة الواجبة، وخاصة تلك التي تمّ الاستيلاء عليها خلال حملة مكافحة الفساد في 2017. على الشركات التي تتعامل حاليا مع الصندوق أو كانت لها علاقات معه ضمان حصول ضحايا الانتهاكات الناجمة عن هذه العلاقة على سبل انتصاف، ومنهم من تم تهجيرهم خلال المشاريع المموّلة من قبل الصندوق.
· الامتناع عن الانخراط في أنشطة الغسيل الأخضر أو غسيل السمعة مع الصندوق التي تحسّن سمعة كيانات الحكومة السعوديّة أو مسؤوليها المتهمين مؤخرا بارتكاب انتهاكات خطيرة.
· رفض أيّ شروط تعاقديّة صريحة أو ضمنيّة مع الصندوق تقيّد القدرة على التحدث علنا أو سرّا عن الانتهاكات، بخلاف شروط السريّة النموذجيّة.
· تجنّب الدخول مع الصندوق أو الشركات التابعة له في عقود أو اتفاقات أخرى تتضمّن بنود عدم تشهير أو قيودا أخرى بشأن التحدّث علنا عن انتهاكات حقوق الإنسان.
· الإبلاغ علنا عن تدابير العناية الواجبة بحقوق الإنسان المتخذة بشأن علاقتها مع الصندوق في مسائل الشفافيّة والمساءلة.
لحلفاء السعوديّة الرئيسيين
· التحقيق في ما إذا كانت لدى صناديق الثروة السياديّة وصندوق الاستثمارات العامة السعودي صلات بانتهاكات حقوق الإنسان، وإذا كان الأمر كذلك، النظر في فرض عقوبات على الأفراد والصندوق نفسه حتى تتم معالجة هذه الانتهاكات من خلال آليات مساءلة وتعويض مستقلّة وشفافة.
· فرض منع سفر وتجميد أصول على أكبر المسؤولين السعوديين الذين لعبوا دورا في اغتيال جمال خاشقجي أو ارتكبوا أعمال تعذيب، بمن فيهم كبار المسؤولين في الصندوق.
· الدعوة إلى إطلاق سراح المعارضين والنشطاء المحتجزين فقط بسبب انتقادهم السلمي للسلطات السعوديّة.
· دعم تحديث مبادئ سانتياغو بإدراج أشكال حماية تتعلق بحقوق الإنسان والفساد.
· على الدول التي تراجع استثمارات الدول الأجنبيّة توسيع نطاق مراجعاتها لتشمل المخاوف المتعلقة بحقوق الإنسان.
للحكومة الأمريكيّة
· توسيع اختصاص "لجنة الاستثمار الخارجي في الولايات المتحدة" في وزارة الخزانة لمراجعة الاستثمارات الأجنبيّة بشأن المخاوف الحقوقية.
· شمول السعوديّة كدولة تبعث على القلق بموجب لجنة الاستثمار الخارجي، وضمان أن تراجع هذه اللجنة استثمارات الصندوق والشركات التابعة له في الولايات المتحدة.
للّجنة الفرعيّة للتحقيقات في مجلس الشيوخ الأمريكي
· التحقيق في دور ياسر الرميان في نقل شركة سكاي برايم وشركات أخرى إلى الصندوق.
التحقيق بشأن الشركات المستفيدة من الأصول التي استولت عليها السعوديّة من مواطنيها بدون مراعاة ضمانات الإجراءات الواجبة المعترف بها دوليا، وخاصة تلك التي تم الاستيلاء عليها خلال حملة 2017.
المنهجية
لم تسمح السلطات السعوديّة بدخول هيومن رايتس ووتش لإجراء أبحاث بحُريّة منذ 2006، حين كانت لها بعثة بحثيّة في المملكة. زار موظفو هيومن رايتس ووتش السعوديّة ستّ مرات منذ 2006، لكن معظم هذه الزيارات ظلّت مقيّدة بشكل صارم.
يستند التقرير إلى مراجعة بيانات حكوميّة، ووثائق صادرة عن محاكم سعوديّة، وقوانين ومراسيم حكوميّة سعوديّة، ووثائق نُشرت أثناء إجراءات قضائيّة في كندا والولايات المتحدة، وسجلات وتقارير لشركات، وتحقيقات، وتحليلات صحفيين وخبراء ماليين وأكاديميين. وتمّ دعم ذلك بمقابلات هاتفيّة مع نشطاء ومعارضين سعوديين، وكذلك مع صحفيين، وخبراء، ومحامين لهم خبرة طويلة في الشأن السعودي.
يستند التقرير إلى تقارير سابقة لـ هيومن رايتس ووتش عن السعوديّة، وفيه إحالات إليها، وخاصة في ما يتعلق بالانتهاكات المرتبطة الاعتقالات في أواخر 2017 كجزء من حملة "مكافحة الفساد" في السعوديّة، واغتيال جمال خاشقجي أواخر 2018.
لحماية الأشخاص الذين أجرينا معهم مقابلات من الانتقام، حجبنا الأسماء أو استخدمنا أسماء مستعارة للمشاركين في المقابلات، ما لم يعبّروا عن رغبتهم في ذلك. أخبر الباحثون جميع الذين أجريت معهم مقابلات بغرض المقابلة والطرق التي سيتمّ بها استخدام البيانات، ولم يتلق أيّ منهم حوافز ماليّة أو غيرها للتحدّث إلى هيومن رايتس ووتش.
في 14 أغسطس/آب 2024، وجّهت هيومن رايتس ووتش رسائل توضح الاستنتاجات العامة لأبحاثنا إلى الأفراد والجهات التالية: ˝أفينيتي بارتنرز˝، و˝ألفا ستار˝، و˝بوسطن كونسلتنغ غروب˝، و˝إم كلاين وشركاؤه˝، و˝تينيو˝، و˝كارف للتواصل˝. في 15 أغسطس/آب 2024، أرسلت هيومن رايتس ووتش رسائل إلى الأفراد والجهات التالية توضح الاستنتاجات العامة لأبحاثنا: شركة جدة المركزية للتطوير، وأمير منطقة تبوك وبلديتها، وصندوق الاستثمارات العامة. في 4 سبتمبر/أيلول 2024، وجّهت هيومن رايتس ووتش رسائل إلى الأفراد والجهات التالية توضح الاستنتاجات العامة لبحثنا: و˝شركة نادي الأهلي السعودي˝، و˝نادي الهلال السعودي˝ لكرة القدم، و˝نادي الاتحاد السعودي˝ لكرة القدم، و˝نادي النصر السعودي˝ لكرة القدم، ووزارة الطاقة السعودية، ووزارة البيئة والمياه والزراعة السعودية، ووزارة المالية السعودية، ووزارة الداخلية السعودية، ووزارة الرياضة السعودية، و˝شركة نيوم˝، و˝شركة القدية للاستثمار˝، وشركة ˝البحر الأحمر العالمية˝، و˝شركة أرامكو السعودية˝، ووزارة الخارجية السعودية، وشركة ˝سنابل للاستثمار˝، و˝سكاي برايم للخدمات الجوية˝. وفي 4 سبتمبر/أيلول 2024 أيضا، وجّهت هيومن رايتس ووتش رسائل إلى الأفراد والجهات التالية توضح الاستنتاجات العامة لبحثنا: عضو مجلس إدارة صندوق الاستثمارات العامة معالي محمد بن عبد الملك آل الشيخ؛ ورئيس مجلس إدارة صندوق الاستثمارات العامة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود؛ وعضو مجلس إدارة صندوق الاستثمارات العامة معالي أحمد عقيل الخطيب؛ وعضو مجلس إدارة صندوق الاستثمارات العامة معالي محمد عبد الله الجدعان؛ وعضو مجلس إدارة صندوق الاستثمارات العامة معالي إبراهيم عبد العزيز العساف؛ وعضو مجلس إدارة صندوق الاستثمارات العامة معالي خالد التويجري؛ وعضو مجلس إدارة صندوق الاستثمارات العامة معالي خالد الفالح؛ وعضو مجلس إدارة صندوق الاستثمارات العامة معالي ماجد القصبي.
في 29 أغسطس/آب 2024، ردت كارف للتواصل على هيومن رايتس ووتش. في 4 سبتمبر/أيلول 2024، ردت شركة كومباني إنك أند ماكنزي وشركة تينيو بشكل منفصل على هيومن رايتس ووتش. وتعليقاتهما واردة أدناه. حتى 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، لم يردّ الأفراد والكيانات المذكورة أعلاه على هيومن رايتس ووتش بعد.
صناديق الثروة السياديّة وصندوق الاستثمارات العامة
صناديق الثروة السياديّة هي أموال تراكمها الحكومة، وتتكوّن عادة من عائدات الحكومة، وفوائض التجارة، والاحتياطيات، التي يتمّ استثمارها محليّا وخارجيّا. تُعرّف "المبادئ والممارسات المقبولة عموما لصناديق الثروة السياديّة"، المعروفة الآن باسم "مبادئ سنتياغو"، صناديق الثروة على أنّها صناديق تملكها الحكومة، وتستثمر في أصول ماليّة أجنبيّة، والغرض منها تعزيز الأهداف الماليّة للحكومة. مبادئ سنتياغو طوعيّة وصيغت من قبل "مجموعة العمل الدوليّة لصناديق الثروة السياديّة"، ورحّبت بها "اللجنة المالية النقديّة" التابعة لـ"صندوق النقد الدولي" في 2008. أعضاء المنتدى الدولي لصناديق الثروة السيادية "يوافقون على تأييد وتنفيذ مبادئ سانتياغو". ورغم أن صندوق الاستثمارات العامة ليس عضوا في المنتدى الدولي لصناديق الثروة السيادية، فقد أعلن أنه "عزز التزامه بمبادئ سانتياغو".
في الأصل، أُسِّست صناديق الثروة السياديّة على الثروة النفطية. أنشئ عدد من هذه الصناديق في السبعينيات، حين أنشأت الدول الرئيسيّة المنتجة للنفط "صناديق الاستقرار" للتعامل مع التأثيرات الاقتصادية لأسواق النفط غير المستقرّة، وهو نموذج قلّدته لاحقا في الثمانينات دول ذات فوائض تجاريّة كبيرة، مثل الصين وسنغافورة. مع تزايد عدد الحكومات التي أنشأت صناديق الثروة السياديّة ونموّ حجم هذه الصناديق، أثار الخبراء مخاوف بشأن تأثيرها المحتمل على الأسواق العالميّة، وخاصة إذا استخدمت الصناديق التي تملكها الدولة لأغراض سياسيّة.
بعد أن جمعت صناديق الثروة السياديّة ثروة كبيرة، أصبحت لاعبا رئيسيا في سوق رأس المال العالمي. مع نهاية 2020، صارت هذه الصناديق تُسيطر على أكثر من 8 تريليون دولار على مستوى العالم. شكّلت صناديق الثروة المموّلة من النفط والغاز أكثر من نصف إجمالي ثروة كل الصناديق السياديّة، وفقا لـ"معهد بيترسون للاقتصاد الدولي"، الذي يقيّم صناديق الثروة السياديّة في جميع أنحاء العالم بناءً على معايير الشفافية والحوكمة والمساءلة.
يُفهم صندوق الثروة السياديّة عموما على أنّه كيان يستثمر أموال الدولة لصالح البلاد في المستقبل، مثلا من خلال تثبيت استقرار موارد الحكومة في وجه صدمات أسعار السلع الأساسيّة، واستخدام العائدات من الوقود الأحفوري وغيره من صادرات الموارد الطبيعيّة لتعزيز التنمية وتنويع الاقتصاد المحلّي للتخلي عن النفط. وقد درس الباحثون والأكاديميون الدور الذي تلعبه صناديق الثروة السياديّة في تركيز وترسيخ سلطة الأنظمة السياسيّة الاستبداديّة. رغم أنّ بعض صناديق الثروة منفصلة هيكليا ومتمايزة عن الرئيس التنفيذي للحكومة، إلا أنّ الصندوق السعودي والعديد من صناديق الثروة السياديّة الأخرى تعمل بقدر ضئيل من الشفافيّة أو الحماية الظاهرة لضمان عدم استخدام المسؤولين الحكوميين الأموال لتحقيق غاياتهم الخاصة. وقد استخدمت النخب الحاكمة في الحكومات المنتهِكة صناديق الثروة لتجميع كميات هائلة من رأس المال، وتعزيز السلطة، وتسهيل الانتهاكات، وتلميع صورتها، وتوسيع نطاق وصولها في الخارج. في سياقات معيّنة، مثلما هو الحال في الفضيحة الكبيرة التي تورّط فيها صندوق الثروة السيادي الماليزي، استخدم القيّمون على صناديق الثروة أرصدتها الضخمة لإثراء أنفسهم وتعزيز مصالح النخبة بدلا من خدمة المصلحة العامة.
تتفاقم هذه الديناميكية في البلدان التي تعتمد بشكل كبير على عائدات النفط. على مدى أكثر من عقدين، وثقت هيومن رايتس ووتش الفساد وسوء الإدارة في الاقتصادات الغنيّة بالنفط، وتأثير ذلك على الحقوق. عندما تكون الحكومة المستفيد المباشر من تدفق رئيسي للإيرادات خاضع لسيطرة مركزيّة، وبالتالي لا تعتمد على الضرائب المحليّة أو الاقتصاد المتنوع لتعمل، فإنّ الأفراد الذين يحكمون الدولة تتوفر لهم فرص فريدة للإثراء الشخصي والفساد، خاصة عند غياب الشفافية في إدارة الإيرادات، مع ما يحمل ذلك من آثار مدمّرة على الحوكمة، ومن ثمة على احترام حقوق الإنسان. بدلا من تحقيق الرخاء وسيادة القانون واحترام الحقوق، قد يؤدّي مصدر الدخل الخاضع لسلطة مركزيّة – مثل عائدات النفط – إلى تعزيز أو مفاقمة أسوأ النزعات لدى الحكام أو أعضاء النخب الحاكمة غير الديمقراطيين أو غير الخاضعين للمساءلة من خلال توفير الوسائل المالية اللازمة لترسيخ وإثراء أنفسهم دون مساءلة. هذه المشاكل موجودة بوضوح في السعودية.
نظرا لهذه المخاطر الموثقة جيّدا، وضع ممثلو صندوق النقد الدولي، وصناديق الثروة السيادية الرئيسية، والدول الكبرى التي تتلقى استثمارات من هذه الصناديق مبادئ سنتياغو في 2008. وفقا لهذه المبادئ، يتعيّن على صناديق الثروة السياديّة "الاستثمار على أساس المخاطر الاقتصاديّة والمالية والاعتبارات المتعلقة بالعائدات" و"وضع هيكل حوكمة شفاف وسليم يوفر ضوابط تشغيلية كافية، وإدارة مخاطر، ومساءلة"، من بين أهداف توجيهيّة أخرى. تدعو المبادئ الحكومات إلى الكشف علنا عن "النهج العام للسحب من صناديق الثروة السياديّة والإنفاق نيابة عن الحكومة"، و"الطريقة التي تكون بها إدارة الصناديق مستقلة من الناحية التشغيلية عن الحكومة"، و"المعلومات المالية ذات الصلة". كما تحث المبادئ الحكومات على "تعريف إطار المساءلة بشكل واضح" بالنسبة لعمليات هذه الصناديق في القوانين أو الاتفاقيات ذات الصلة".
غير أنّ هذه المبادئ لا تتناول صراحة الحقوق الإنسانية للناس الذين يجب أن يستفيدوا في نهاية المطاف من الثروة التي تتحكم بها الصناديق السياديّة. هذه الصناديق خاضعة للحكومة وتتكون من موارد الدولة التي، مثل الموارد الأخرى التابعة للدولة، يجب أن تُدار بشكل يحقق تدريجيا الحقوق الاقتصادية والاجتماعة والثقافية إلى أقصى حد تسمح به الموارد المتوفرة.
وقد تناولت لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهي هيئة الخبراء المستقلين التي أنشئت لمراقبة تنفيذ الدول للعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتوفير تفسير مرجعي للحقوق المحددة في العهد، الالتزامات الحقوقية المحددة المترتبة على صناديق الثروة السيادية في حالتين على الأقل. وفي حالة صندوق الثروة السيادية القطري، ˝جهاز قطر للاستثمار˝، خلصت اللجنة إلى أن الجهاز يتولى الاستثمار نيابة عن قطر دون "إطار شفاف لإدارة استثماراته واتخاذ القرارات". ومن المهم أن اللجنة وجدت أن "جهاز قطر للاستثمار، بصفته صندوق ثروة سيادي ومستثمر مؤسسي، ملزم بالتزامات الدولة الطرف ومسؤوليات الكيان التجاري بموجب العهد والمبادئ التوجيهية بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان". وأوصت اللجنة قطر بضمان أن يكون صندوق الثروة السيادية الخاص بها "ملتزما بالعهد والمبادئ التوجيهية بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان، وخاصة من خلال دمج العناية الواجبة بحقوق الإنسان في سياستها الاستثمارية وصنع القرار، وتوفير، بطريقة أكثر شفافية، الإفصاح عن أداء محفظتها وأدائها غير المالي، وخاصة التأثير الذي يخلفه على القضايا البيئية والاجتماعية والحوكمة من حيث مكان استثماراته˝.
في مراجعتها الخاصة بالنرويج، وجدت اللجنة أن صندوق الثروة السيادية للبلاد، ˝صندوق التقاعد الحكومي العالمي˝، يخضع لنفس التزامات الحقوق التي تخضع لها الدول، بما في ذلك الاستثمارات خارج حدود البلاد. وكتبت اللجنة أنها "قلقة بشأن الآثار الخطيرة على حقوق الإنسان لبعض محافظ استثمارات الصندوق، والتي تشمل شركات ثبت تورطها في هدم المنازل أو المستوطنات الإسرائيلية أو أنشطة أخرى في الأراضي الفلسطينية المحتلة". وأوصت اللجنة النرويج بجعل صندوق الثروة السيادية الخاص بها يتماشى مع "التزاماتها الإقليمية وخارج الإقليم بموجب [العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية]".
وتوضح هذه التوصيات أن صناديق الثروة السيادية تخضع للالتزامات نفسها المتعلقة بالحقوق التي تخضع لها الدول. وكما أن الحكومات ملزمة بالشفافية والمساءلة أمام مواطنيها، فضلا عن احترام حقوق الإنسان، فإن صناديق الثروة السيادية تخضع أيضا لهذه الالتزامات نفسها. وبالتالي ينبغي للحكومات أن تتوقع أن تتحمل المسؤولية عن الطريقة التي تدير بها صناديق الثروة السيادية أصولها. وعلى أقل تقدير، ينبغي للحكومات أن تحترم حق الناس في الوصول إلى المعلومات حول صناديق الثروة السيادية كما ينبغي لها أن تفعل ذلك بالنسبة للكيانات والنفقات الحكومية الأخرى، بسبل منها إتاحة المعلومات الأساسية للجمهور بشكل استباقي.
في 2019، قيّمت لوحة النتائج التابعة لمعهد بيترسون للاقتصاد الدولي، التي تستند إلى معلومات متاحة للجمهور، 64 صندوقا سياديا للثروة، ووجدت أنّ أكثر من %40 منها لم تحدّد بوضوح مصدر تمويلها، أو المبادئ التوجيهيّة أو قواعد عمليات السحب، ولا استخدام الأرباح من خلال عمليات السحب. كما أشار معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، فإنّ "عدم الالتزام بالإبلاغ عن عمليات السحب يوحي بوجود سلطة تقديريّة كبيرة لمالكي الصندوق".
صنّف معهد بيترسون الصندوق السعودي ضمن الصناديق الأقل شفافيّة وخضوعا للمساءلة، وهياكل الحوكمة التابعة له الأقل مصداقية بين كل الصناديق التي قيّمها في 2019. جاء الصندوق السعودي في المرتبة 56 من أصل 64 تمّ تحليلها، أي في المرتبة السابقة لـ"صندوق الاستثمار المباشر الروسي"، وهو شريكه، إضافة إلى صناديق في الإمارات، وكيريباتي، وبروناي، والجزائر، وليبيا، وغينيا الاستوائيّة.
تعزيز سلطة وليّ العهد
السلطة السياسيّة والأمنيّة
منذ تأسيس المملكة العربيّة السعوديّة الحديثة عام 1932، حُكمت البلاد بنظام ملكيّ مطلق، أولا من قبل مؤسسها عبد العزيز آل سعود، ثم أبنائه بعد وفاته. رغم أنّ القادة السعوديين حافظوا على سلطة مطلقة لصنع القرار، إلا أنهم مارسوا سلطتهم تاريخيا بالحوار مع مجموعات مصالح غير رسميّة ولكن قويّة، كانت لها قدرة مستمرّة على التأثير في القرار. شملت هذه المجموعات المؤسسة الدينيّة السنيّة المحافظة المكوّنة من رجال دين تابعين للدولة ومستقلّين، وأعضاء آخرين من الأسرة الحاكمة، وأجهزة الأمن، وأعضاء مؤثرين في مجتمع الأعمال السعودي.
في مطلع 2015، أدّى صعود محمّد بن سلمان (30 عاما آنذاك) إلى هدم الوضع القائم. فقد دخل إلى الساحة الدوليّة في يناير/كانون الثاني 2015 عندما تولّى والده سلمان بن عبد العزيز (80 عاما آنذاك) العرش السعودي، وعيّنه فورا وزيرا للدفاع (منصب سلمان السابق). رقّى الملك سلمان محمد بن نايف، ابن عم محمد بن سلمان ووزير الداخليّة الأسبق، إلى منصب نائب وليّ العهد، خلفا للأمير مقرن، أي عمّ محمد بن سلمان. لكن في غضون ثلاثة أشهر، غيّر الملك سلمان خطّ الخلافة، فأزاح مقرن، وعيّن محمد بن نايف وليا للعهد، ومحمد بن سلمان نائبا له.
في يونيو/حزيران 2017، بعد إبعاد النيابة العامة عن سيطرة محمد بن نايف، جرّده الملك سلمان من جميع مناصبه الرسميّة أيضا، وعيّن محمد بن سلمان وليا للعهد والملك المستقبلي المفترض. عملت السلطات السعوديّة على إزاحة كل من يُمكنه الوقوف في طريق الصعود السياسي لبن سلمان. في صيف 2017، في الفترة التي صعد فيها إلى منصب وليّ العهد، أزاحت السلطات مسؤولين أمنيين ومسؤولي مخابرات سابقين، وأعادت تنظيم أجهزة النيابة العامة والأمن في البلاد بصمت، وهي الأدوات الأساسيّة للقمع السعودي، ووضعتها تحت إشراف الديوان الملكي مباشرة.
مع سيطرة الديوان الملكي بالكامل على أجهزة الأمن، شنّت السلطات سلسلة من حملات الاعتقال. فمنذ سبتمبر/أيلول 2017، استهدفت السلطات عشرات المنتقدين والمنتقدين المحتملين، ومنهم رجال دين ومثقفون وأكاديميون وحقوقيون بارزون. وفي نوفمبر/تشرين الأول 2017، اعتقلت السلطات رجال أعمال رائدين وأفرادا من الأسرة الحاكمة متهمين بالفساد، وبداية من مايو/أيار 2018، شنّت السلطات حملة على أبرز المدافعات والمدافعين عن حقوق المرأة وحقوق الإنسان، والأكاديميين، والصحفيين، وغيرهم من المنتقدين الذين يجاهرون بآرائهم. ومن بين المستهدفين عصام الزامل، الخبير الاقتصادي الذي شكّك في التوقعات السعودية بشأن الإيرادات المتأتية من الطرح العام الأولي لشركة أرامكو. تُشكّل عائدات النفط من أرامكو مصدرا أساسيا للأموال المستخدمة في توسيع الصندوق.
احتجاز المواطنين بسبب انتقادهم السلمي لسياسات السلطة أو الدفاع عن حقوق الإنسان ليس ظاهرة جديدة في السعوديّة، لكن العدد الهائل والطيف الواسع للأفراد المستهدفين في حملات الاعتقال بعد 2017 كانا غير مسبوقين، فضلا عن اعتماد ممارسات قمعيّة جديدة. لكن الجانب القمعي للسجلّ الداخلي لوليّ العهد لم يخضع لتدقيق دولي كبير إلا في أواخر 2018، بعد الاغتيال الوحشي بحق الصحفي السعودي والكاتب في صحيفة "واشنطن بوست" والناقد البارز لحملات بن سلمان جمال خاشقجي في القنصليّة السعوديّة في اسطنبول. في 2021، صدر تقرير استخباري أمريكي خلص إلى ما كان يتوقعه كثيرون منذ فترة طويلة: أنّ ولي العهد كان قد وافق على اغتيال خاشقجي. بعد نشر التقرير، دعت عشرات المنظمات الحقوقيّة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى فرض عقوبات على مسؤولين سعوديين، منهم وليّ العهد.
عندما وُوجه في مقابلة مع بلومبرغ في أكتوبر/تشرين الأول 2018 بأسئلة حول الاعتقالات الجماعيّة في السعوديّة، قبل اغتيال خاشقجي، برّر محمد بن سلمان هذه الاعتقالات بأنها ضروريّة لسنّ إصلاحات في السعودية، قائلا:
أعتقد أن الكثير من الحركات التي تحدث حول العالم لها ثمن. لذلك، إذا نظرت إلى الولايات المتحدة الأمريكية مثلا، عندما أرادوا تحرير العبيد، ماذا كان الثمن؟ حرب أهليّة قسّمت أمريكا لعدة سنوات... لذا، فإذا كان هناك ثمن صغير في موضوع ما، فإنّ ذلك أفضل من دفع دين كبير من أجل القيام بتلك الخطوة...
تركيز محمد بن سلمان سلطته وحملة الاعتقالات التي شنها، والتي وصفها بـ"الثمن الصغير" مقارنة بغيرها من "الحركات التي تحدث حول العالم"، سمحا له باقتراح حلول خاصة للأزمة الاقتصاديّة المتنامية في السعوديّة دون عوائق أو تصدي من جماعات المصالح التقليديّة في السعوديّة.
كان صندوق الاستثمارات العامة عنصرا محوريا في جهود وليّ العهد. فهو الآن الحاكم الفعلي للسعوديّة ويُسيطر على صندوق بقيمة تريليون دولار تقريبا تأسس على ثروة الدولة النفطيّة، وهو يستثمر هذه الثروة بشراسة في الداخل والخارج. وجد تقرير صادر عن "المعهد الألماني للشؤون الدوليّة والأمنية" أن الصندوق السعودي "مصمم مؤسسيا" لخدمة وليّ العهد، وأنه "سيساهم في تركيز السلطة لصالحه"، وأنّه "سيربط بشكل وثيق التحول الاقتصادي في السعوديّة بتعزيز حكم بن سلمان".
السلطة الاقتصاديّة والسيطرة على الصندوق
إقدام ولي العهد على تركيز السلطة السياسيّة والأمنيّة في يده حصل بالتزامن مع جهود لتركيز القوّة الاقتصاديّة تحت سلطته، لا سيما من خلال إعادة هيكلة صندوق الاستثمارات العامة وتنميته. تركيز القوّة المالية بين يدي بن سلمان ودائرته المقرّبة من المستشارين تنعكس في الكيفيّة التي أعيد بها تنظيم إطار حوكمة الصندوق واستراتيجية الاستثمار الخاصة به. إعادة التنظيم هذه تظهر كيف يسيطر عدد قليل من أفراد النخبة السعوديّة، المحيطين بمحمد بن سلمان، على الدعامات الرئيسيّة لاقتصاد البلاد، ويستخدمون هذه الدعامات كما يشاؤون، ويستخدمون مال الدولة لتحقيق مصالحهم الخاصة.
عندما توفي الملك عبد الله في يناير/كانون الثاني 2015، واجهت المملكة أزمة اقتصاديّة كبرى مع انخفاض أسعار النفط العالميّة، وبلغ معدّل البطالة بين الشباب السعودي حوالي 30%. ثم سرعان ما أصبح محمد بن سلمان واجهة لجهود المملكة في حلّ مشاكلها الاقتصاديّة.
بعد تولّيه العرش في 2015، أدخل الملك سلمان تغييرات كبيرة على الحكومة منها استبدال العديد من المجالس والهيئات الاستشاريّة بلجنتين فرعيتين جديدتين لمجلس الوزراء السعودي. ومنذ تعيينه وليا للعهد في 2017، صار محمد بن سلمان رئيسا لكلتا اللجنتين الفرعيتين، ما جعله المسؤول عن الشؤون السياسيّة والأمنيّة والاقتصاديّة. إحدى الهيئتين الاستشاريتين الرئيسيتين هي مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، وهو هيئة استشاريّة للسياسات تُشرف على الشؤون الداخليّة للمملكة، ومسؤولة عن تنفيذ رؤية 2030، وهو برنامج تنمية شامل يهدف إلى تنويع الاقتصاد وإنشاء "قوة استثمارية عالميّة". ترأس محمد بن سلمان مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية منذ إنشائه. وصندوق الاستثمارات العامة هو المسؤول عن تمويل وتنفيذ رؤية 2030، التي تلتزم بـ"تمكين المجتمع [السعودي]" وتوفير "فرص متساوية" وتعد بـ "تحقيق التطلعات والآمال".
في مارس/آذار 2015، تمّ "إحياء" الصندوق، وفقا لموقعه على الإنترنت. وبموجب قرار صادر عن مجلس الوزراء، نُقل من إشراف وزارة الماليّة إلى إشراف مجلس الشؤون الاقتصاديّة والتنمية المعيّن حديثا. كما أوضح أحد منشورات الصندوق، فإنّ هذه الخطوة تعني "إعادة تكوين مجلس إدارة صندوق الاستثمارات العامة ليصبح برئاسة رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية". ومنذ 2015، شغل محمد بن سلمان منصب رئيس لكل من مجلس الشؤون الاقتصاديّة ومجلس إدارة الصندوق.
رغمّ أنّ ماليّة الدولة السعوديّة اتسمت منذ فترة طويلة بانعدام الشفافية والمراقبة، إلا أنّ إعادة هيكلة صندوق الاستثمارات والتوسع الكبير الذي شهده عزّزا القوّة الاقتصاديّة الكبيرة تحت حكم وليّ العهد وحده. وصف صحفيون استقصائيون ألّفوا كتابا عن وليّ العهد السعودي عواقب إمكانية تصرفه برأس المال كالتالي: ""زعماء العالم الآخرون يسيطرون على جيوش أكثر قوّة واقتصادات أكبر، لكنّ [بن سلمان] له قوّة مركّزة أكبر من تلك يملكها أي شخص آخر على وجه الأرض وهو مستعد للعمل بحدسه".
يزعم أكاديميون مثل ستيفن هيرتوغ أنّ الدولة السعودية "كانت "مفكّكة بشكل مدهش" قبل صعود محمد بن سلمان إلى السلطة. فمع مرور الوقت، تكوّنت عدة جهات سياسيّة واقتصاديّة ذات نفوذ، وكانت "بعض مؤسسات الدولة [تعمل] كإقطاعات خاصة لأطراف فاعلة في النظام". تحوّلت الدولة إلى "نظام محوري يتمركز حول الأسرة الحاكمة"، فنشأت منها شبكات محسوبيّة. منذ صعوده إلى السلطة، عمل وليّ العهد على تهميش المفاصل السابقة للقوة الاقتصاديّة داخل الأسرة الحاكمة ونخبة الأعمال، وركّزها في يديه وأيدي مجموعة صغيرة من المستشارين المقرّبين.
قبل 2015، عكست استراتيجية الاستثمار للدولة السعوديّة بشكل عام، وصندوق الاستثمارات بشكل خاص، هذه الهيكلية المفككة للدولة. خلُص الباحث المختص في صناديق الثروة السياديّة ألكسيس مونتامبولت تروديل إلى أنّ "صندوق الاستثمارات العامة كان خاضعا لقوى سياسيّة متمايزة ومتنافسة، ما أدّى إلى أنماط استثماريّة متناثرة". خلال هذه الفترة، كانت العديد من الوزارات والهيئات الحكوميّة الأخرى تمتلك وسائل استثماريّة أجنبيّة خاصة بها، ولكل منها استراتيجيتها الاستثماريّة.
منذ أن سيطر محمّد بن سلمان على الصندوق، هيمن هذا الأخير على قرارات الاستثمار الحكوميّة السعوديّة. وفقا لمونتامبولت تروديل، تسبب صندوق الاستثمارات بعد 2015 في "التحوّل من أنماط الاستثمار المتفرّقة وغير المنسّقة المتصلة بالخلافات بين الأجهزة وتأثير كبار صنّاع القرار المتنافسين إلى استراتيجيّة شخصيّة وتدخليّة للغاية مدفوعة بمجموعة متماسكة من الأطراف من داخل النظام التي تدور حول وليّ العهد". أفادت بلومبرغ في 2022 أنّ الصندوق قد أزاح الجهات الفاعلة العامة والخاصة داخل السعوديّة و"طغى بشكل متزايد على مراكز القوّة السابقة، مثل وزارة المالية ووزارة الاقتصاد والبنك المركزي، ليُصبح محرّك النموّ الرئيسي للبلاد" و"حلّ محلّ طبقة رجال الأعمال الأصليّة ليصبح أحد أقوى المؤسسات في اقتصاد يتغيّر بسرعة".
كما أصبح الصندوق يهيمن على عمليّة صنع القرار في ما يتعلّق بكيفيّة استثمار الثروة السعوديّة في الخارج. قبل 2015، كانت لبعض الوزارات ومؤسسات الدولة الأخرى صناديقها الخاصة للاستثمارات الأجنبيّة. لكن اليوم، صار الصندوق هو "المستثمر الحكومي الوحيد للمملكة على المستوى الدولي"، وفقا لتقرير عن الصندوق للمعهد الألماني للشؤون الدوليّة والأمنية. يصف الصندوق نفسه بأنّه "ذراع الاستثمار الأساسي للمملكة"، مع التركيز على "تحقيق العائدات الماليّة الضخمة، والقيمة الحقيقيّة طويلة المدى للمملكة العربيّة السعوديّة". والهدف من أرباح الصندوق هو "دفع عجلة التحوّل الاقتصادي في المملكة".
تشمل المصادر الأساسيّة لتمويل الصندوق ضخّ رؤوس المال المتأتية من الحكومة في الصندوق، ونقل الأصول الحكوميّة إليه، وأدوات القروض والديون، وعائدات الاستثمارات الخاصة به. وفقا لبلومبرغ، منذ أن أصبح محمد بن سلمان وليا للعهد في 2017، "تضاعف حجم الصندوق، ويرجع ذلك في جزء منه إلى تحويلات البنك المركزي والطرح العام الأولي لحصّة في شركة النفط العملاقة أرامكو". يتفق هذا التحليل مع ما قاله تيم كالين، مساعد مدير صندوق النقد الدولي سابقا، حيث وجد أنّ "جزءا كبيرا من نموّ الصندوق جاء من نقل الأصول وضخّ رأس المال من الحكومة والبنك المركزي". من ديسمبر/كانون الأول 2017 إلى نهاية يونيو/حزيران 2023، كان 32 % من نموّ الصندوق نتيجة نقل محمد بن سلمان أسهم أرامكو إليه، و17% من "عمليات ضخّ رأس المال المتأتية أساسا من عائدات الطرح العام الأولي لأرامكو في 2019، واحتياطات النقد الأجنبي للبنك المركزي"، و31% من عائدات المحفظة الاستثماريّة للصندوق، و5% من الاقتراض، بينما تظلّ "الـ %15 المتبقية بلا تفسير"، وفقا لكالين.
في فبراير/شباط 2022، أعلن وليّ العهد عن تحويل أوّل بنسبة 4% من أسهم أرامكو إلى الصندوق. وفقا لبيان صادر عن "وكالة الأنباء السعوديّة"، فإنّ هذا التحويل الأول "يُسهم في دعم خطط الصندوق الهادفة لرفع حجم أصوله تحت الإدارة إلى نحو 4 تريليونات ريال سعودي [1.066 تريليون دولار] بنهاية عام 2025". في أبريل/نيسان 2023، أعلنت وكالة الأنباء السعودية عن نقل ثان لنسبة 4% من أسهم أرامكو التي تملكها الدولة، أي ما يقارب 80 مليار دولار، إلى "شركة سنابل للاستثمار"، التي يملكها الصندوق بالكامل، ما يعزّز "مركز الصندوق المالي القوي، وتصنيفه الائتماني". أشار محمد بن سلمان إلى أنّ "نقل ملكية جزء من أسهم الدولة في شركة أرامكو السعودية يأتي مواصلة لمبادرات المملكة الهادفة لتعزيز الاقتصاد الوطني على المدى الطويل، وتنويع موارده، وإتاحة المزيد من الفرص الاستثمارية، بما يتوافق مع مستهدفات رؤية السعودية 2030". في مارس/آذار 2024، أعلن الصندوق عن نقل آخر شمل 8 % من أسهم أرامكو إلى شركات يملكها الصندوق بالكامل. عمليّة النقل هذه التي تمت في مارس/آذار 2024 رفعت حصة الصندوق في أرامكو إلى 16%، بينما تظلّ الحكومة السعوديّة أكبر مساهم فيها بنسبة 82.18 % من الأسهم، وتستأثر سوق الأسهم السعوديّة "تداول" بنسبة 1.73 % المتبقيّة من أسهم أرامكو.
جمع الصندوق في فترة قصيرة جدا ما يقارب 700 مليار دولار، ليُصبح أحد أكبر صناديق الثروة السياديّة في العالم. منذ 2015، حوّل ولي العهد بن سلمان الصندوق من أداة استثماريّة غامضة ومحافظة نسبيا إلى أحد أكبر صناديق الثروة السياديّة وأكثرها اندفاعا في العالم. في 2016، أعلن وليّ العهد عن خطّة الإصلاح الاقتصادي المميّزة للبلاد، رؤية 2030، وهو برنامج تنمية شامل يهدف إلى تنويع الاقتصاد. والصندوق هو المحرّك المركزي الذي يغذي هذه الرؤية. تتوقع رؤية 2030 أن يصبح الصندوق أكبر صندوق ثروة سيادية في العالم. ادّعى وليّ العهد مرارا أنّ الصندوق سيصبح أكبر صندوق سيادي في العالم بحلول 2030، مع هدف تضخيمه ليستحوذ على أكثر من 2 تريليون دولار من الأصول.
يعمل الصندوق، بقيادة بن سلمان، بشكل حثيث على زيادة استثماراته الدوليّة. في 2016، قال وليّ العهد: "نهدف إلى أن يلعب الصندوق دورا هاما في الجهود الاستثمارية والتنموية في مختلف أرجاء العالم". وبحلول 2021، "نجح الصندوق في توطيد مكانته عالميا"، من خلال زيادة حجم استثماراته الدوليّة إلى 30 % من أصوله تحت الإدارة، مقارنة بـ 5 % في 2017. يزعم الصندوق أنه أصبح في الفترة الأخيرة "أحد أكبر المستثمرين على مستوى العالم". يستثمر الصندوق في أمريكا الشمالية، وأوروبا، وآسيا، وأمريكا اللاتينية، وأفريقيا، ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. في خطته الاستثمارية الأخيرة، يصف الصندوق نفسه بأنه "ركيزة وعامل تمكين أساسي لرؤية 2030" على أن "تكون المملكة في طليعة الدول الاقتصادية عالميا". وفقا للصندوق، فإنّ تأثيره ملموس "لدى الدول والشعوب الأخرى".
استثمر الصندوق بشكل كبير في دول شملت في الولايات المتحدة وروسيا. بعد زيارة الرئيس ترامب البارزة إلى الرياض في مايو/أيار 2017، حيث كان محاطا برجال أعمال أمريكيين أثرياء، أعلن الصندوق وشركة "بلاكستون" عن صندوق استثماري جديد، مدعوم بمبلغ 20 مليار دولار من الصندوق، ما من شأنه "استثمار أكثر من 100 مليون دولار من مشاريع البُنية التحتية، وخاصة في الولايات المتحدة". أشار مقال نُشر في "فوكس" (Vox) إلى أنّ الصندوق سينفق "45 مليار دولار لدعم الشركات الناشئة على مستوى العالم من خلال "صندوق الرؤية التابع لـ سوفت بنك". رغم أن صندوق الرؤية يستثمر على المستوى الدولي، إلا أنّ اعتماد سوق الشركات الناشئة ورأس المال الاستثماري (venture capital)على رأس المال السعودي، وفقا لتقارير فوكس، يظل كبيرا إلى درجة أنّ السعودية "قد تجفف تدفق الأموال في وادي السيليكون"، و"تتسبب في انهيار عالمي لرأس المال الاستثماري". بحسب بلومبرغ، في 2021، فإنّ صندوق الاستثمارات العامة "ضاعف أكثر من أربع مرات تعرّضه للأسهم (equities) الأمريكية بعد أن نما دوره بشكل بارز في الأسواق العالميّة". في مطلع 2022، بلغت قيمة الأسهم الأمريكية التي يمتلكها الصندوق 56 مليار دولار".
بعد 2015، حقق الصندوق استثمارات تصدّرت عناوين الصحف في مختلف مجالات الاقتصاد العالمي، مثل الرياضة والتكنولوجيا والمال والمعادن الأساسيّة. في 2023، صنفت "غلوبال إس دبليو إف"، وهي شركة استشارات ورصد لصناديق الثروة السياديّة، صندوق الاستثمارات العامة كـ"المستثمر السبّاق" في العالم، حيث أنفق 31.6 مليار دولار، متجاوزا بذلك كل صناديق الثروة السيادية الأخرى. كان الارتفاع في حجم الصندوق وإنفاقه كبيرا وسريعا: ففي 2021 لم يكن الصندوق حتى ضمن أكبر 10 منفقين وفق تصنيف غلوبال إس دبليو إف، وفي غضون تسع سنوات فقط، نما الصندوق من 84 مليار دولار في 2014 إلى ما يقارب 925 مليار دولار في منتصف 2024.
سيطرة كبيرة لوليّ العهد على الصندوق
إعادة هيكلة الحوكمة وتركيز السلطة
أدّى التغيير الشامل في الصندوق في 2015 في نهاية المطاف إلى تركيز قدر هائل من السيطرة والمراقبة في يدي محمد بن سلمان، لدرجة أنّ أحد المحلّلين السعوديين وصف الصندوق بـ"أداة استثمارية لشخص واحد". قال روبرت موجيلنيكي، الباحث المقيم في معهد دول الخليج لـ "وول ستريت جورنال"، إنّه تكاد لا تكون هناك "ضمانات مؤسسية قادرة فعلا على منع "التدخل من أعلى إلى أسفل في إجراءات الاستثمار المعمول بها".
بحسب الموقع الالكتروني للصندوق، فإنّ قرار نقله إلى مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، "برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد" كان "نقلة نوعيّة" أعطت للصندوق "استقلالية أكبر" و"مسؤوليات وطنيّة استراتيجية محدّدة بشكل أفضل". في الواقع، ينصّ الموقع الإلكتروني على أنّ الصندوق تابع لمجلس الشؤون الاقتصاديّة والتنمية، برئاسة وليّ العهد، وأنّ مجلس الإدارة، الذي يرأسه وليّ العهد أيضا، يُشرف على عمل ما تبقى من الصندوق. ذكرت وثيقة على موقع الصندوق أنّه "تحت رئاسة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود وبتوجيه منه، فإنّ مجلس الإدارة هو المسؤول عن الإشراف على استراتيجية الصندوق على المدى الطويل، وسياسة الاستثمار والأداء". وهذا يعني أنّ الصندوق ليس كيانا ذاتيا أو مستقلا، وإنما هو خاضع لسيطرة وثيقة من وليّ العهد".
تنصّ المادة 5 من "المرسوم رقم 270" على أن يعيّن مجلس إدارة صندوق الاستثمارات العامة بأمر من رئيس الوزراء. شغل الملك سلمان منصب رئيس الوزراء من يناير/كانون الثاني 2015 إلى 27 سبتمبر/أيلول 2022، حين تمت ترقية محمد بن سلمان إلى المنصب في تعديل وزاري أمر به الملك. بصفته رئيس الوزراء، يشغل محمد بن سلمان أيضا منصب رئيس مجلس الوزراء. حدّدت المادة 4 من المرسوم الملكي رقم م/24، المرسوم الذي أنشأ الصندوق عام 1971، تركيبة مجلس إدارته. بين 1971 و2015، كان مجلس إدارة الصندوق يتألف من خمسة أعضاء فقط: وزير المالية، الذي يشغل أيضا منصب الرئيس؛ وعضوان من مجلس الوزراء يرشحهما رئيس مجلس الوزراء؛ ورئيس "هيئة التخطيط المركزيّة"؛ ومحافظ "مؤسسة النقد العربي السعوديّ". في المرسوم المنشئ للصندوق الصادر في 1971، سمحت المادة 4 لرئيس الوزراء بترشيح عضوين فقط من مجلس الوزراء لمجلس إدارة الصندوق، في حين أنه بعد 2015 أصبح الصندوق يسمح لرئيس مجلس الوزراء بتعيين جميع أعضاء مجلس الإدارة بشكل أحادي. تنصّ المادة 5 من قانون الصندوق لعام 2019 على "عضوية المحافظ وما لا يقلّ عن أربعة أعضاء آخرين من ذوي الخبرة والاختصاص، على أن يكون من بينهم ممثلون من الجهات المعنية".
بالإضافة إلى وليّ العهد، يضمّ مجلس إدارة الصندوق الحالي تسعة أعضاء آخرين. سبعة منهم يشغلون حاليا مناصب وزارية أو مناصب حكوميّة رفيعة في السعوديّة، عيّنهم فيها الملك. العديد منهم، إن لم يكن كلّهم، عُيّنوا في مناصبهم الحاليّة بعد صعود الملك سلمان إلى العرش وتولّي ابنه مسؤوليات متزايدة. يبدو أنّ ستّة من أعضاء مجلس إدارة الصندوق التسعة هم أيضا أعضاء في مجلس الشؤون الاقتصاديّة والتنمية، الهيئة المشرفة على الصندوق. كما يوجد ثلاثة أعضاء في مجلس إدارة الصندوق وفي نفس الوقت في مجلس إدارة شركة أرامكو النفطيّة المملوكة للدولة، وهي مصدر تمويل هام للصندوق. أحد هؤلاء ظلّ في مجلس إدارة أرامكو لسنوات عديدة، بينما عُيّن الآخران بعد أن أصبح محمد بن سلمان وليا للعهد.
بعض أعضاء مجلس الإدارة – محافظ الصندوق ياسر الرميان ووزير الدولة محمد آل شيخ على وجه الخصوص – مقرّبون من محمد بن سلمان ومستشارون شخصيون له، ولم يعُيّنوا في مناصب عليا في الحكومة السعودية إلا بعد أن أصبح وليا للعهد. وفقا لكريستوفر دافيدسون، في كتاب عن سياسة محمد بن سلمان، فإنّ محمد الجدعان ومحمد التويجري "صعدا إلى حد كبير بفضل محمد بن سلمان"، وكثيرا ما يوصفان بـ"أقرب حلفاء بن سلمان". كما يعمل أعضاء آخرون في مجالس إدارة مشاريع الاستثمار الكبرى للصندوق. مثلا، يشغل وزير السياحة أحمد عقيل الخطيب منصب رئيس مجلس إدارة "شركة الصناعات العسكريّة السعوديّة"، والأمين العام لـ "شركة وسط جدة للتطوير" ونائب رئيسها، فضلا عن كونه عضوا في مجلسَيْ إدارة نيوم و"شركة تطوير البحر الأحمر"، وجميعها يملكها الصندوق بالكامل.
خلُص تقرير "المعهد الألماني للشؤون الدوليّة والأمنيّة" إلى أنّ تعيين جميع أعضاء مجلس إدارة الصندوق "لا يرجع إلى مناصبهم الحكوميّة، بل إلى قربهم الشخصي من وليّ العهد". كما خلص الأكاديمي مونتامبولت تروديل إلى أنّ "شبكة المقرّبين الذين يُشكلون مجلس الإدارة تعكس تركّز السلطة حول محمد بن سلمان".
كما خلُص آخرون ممن حققوا في شأن الصندوق ودرسوه إلى أنّ وليّ العهد يمارس سيطرة كبيرة عليه. استعرض تقرير نشرته "نيويورك تايمز" في 2022 كيف وافق مجلس إدارة الصندوق على استثمار بقيمة 2 مليار دولار في صندوق أسهم خاصة (private equity) يُديره جاريد كوشنير، صهر الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب ومستشاره الأول السابق. وجد التقرير أنّ "الأمير محمد سيطر على الصندوق عندما تولّى السلطة في 2015، وهو صانع القرار الرئيسي فيه". كما خلُص تقرير المعهد الألماني للشؤون الدوليّة والأمنية لسنة 2019 إلى أنّ وليّ العهد "يُمارس نفوذا هائلا على الأعمال اليوميّة" داخل مجلس الإدارة، ومن خلال دوره كرئيس للجان المسؤولة عن تعيين المناصب الإداريّة الهامة.
هذا التداخل في تعيينات أعضاء مجلس إدارة الصندوق وفي مؤسسات حكومية وخاصة هامة أخرى يُثير مخاوف جديّة من وجود تضارب بين المصلحة العامة والمصالح الخاصة لهؤلاء الأشخاص، وخاصة في بيئة سياسية ليس فيها أي سبل فعلية للجمهور لطلب الانتصاف من السياسات الفاشلة وسوء الإدارة والفساد. يزعم الصندوق أنه يتمتع "باستقلال مالي وإداري". إلا أنه، بموجب القانون وعمليا، يتمتع محمد بن سلمان، بدعم من مجلس إدارة الصندوق المكوّن من تسعة أعضاء، بسيطرة فعلية على هذه الموارد الهائلة في المملكة.
برنامج رؤية 2030 لصاحبه محمد بن سلمان الذي يدعمه الصندوق يعد "باعتماد الشفافية والمحاسبة الفورية" و"قيس أداء الجهات الحكوميّة لمساءلتها عن أي تقصير". كما يعد بالاستفادة من "أفضل الممارسات العالميّة لتحقيق أعلى مستويات الشفافيّة والحوكمة الرشيدة في جميع القطاعات". تلتزم رؤية 2030 بأن "نُمكّن مجتمعنا" و"نُنمّي فرصنا"، و"نريد من الجميع التفاعل والمبادرة عبر مشاركتنا بالآراء والمقترحات، وستعمل أجهزتنا على تحقيق التطلعات والآمال". يُعتبر الصندوق "ركيزة وعامل تمكين أساسي لرؤية 2030" و"له دور محوري" في "تحقيق أهدافها".
تقع على الحكومات مسؤوليّة معترف بها دوليا تتمثل في إعمال الحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة بشكل تدريجي باستخدام أقصى قدر من الموارد المتاحة. وبالتالي، يجب استثمار سيطرة الحكومة السعوديّة على الموارد واستخدامها إياها لإحقاق حقوق الجمهور السعودي. في ظلّ حكم محمد بن سلمان، يتوجب أن تكون السلطات السعودية إلى حد كبير خاضعة للمساءلة أمام الجمهور السعودي، وهي لم تستثمر الموارد العامة لخدمة مصالح الجمهور. كونه ذراعا تابعة للحكومة وتخضع لسيطرتها، فإنّ الصندوق خاضع لالتزامات الحقوقيّة الدولية نفسها التي تخضع لها الحكومة.
رغم هذه الواجبات، يُسيطر محمد بن سلمان، مع مجموعة صغيرة من حلفائه، على ثروة السعوديّة في سياق سياسي يفتقر إلى الشفافية والمساءلة بشكل كبير. كما أنّ أعضاء دائرته المقرّبة، الذين يُشكّل العديد منهم مجلس إدارة الصندوق، غير خاضعين بتاتا للمساءلة العامة. هذه المجموعة الصغيرة من النخبة السعودية غير الخاضعة للمحاسبة لديها سيطرة مطلقة على موارد الدولة، دون رقابة عامة أو شفافية أو مساءلة، ما يثير المخاوف بشأن ما إذا كانت هذه الأموال يتم استثمارها وإدارتها لخدمة المصلحة العامة.
اتخاذ القرارات بشكل أحادي
رغم أنّ بعض استثمارات الصندوق تعكس على ما تبدو "اعتبارات تتعلق بالمخاطر الاقتصاديّة والماليّة وأخرى تتعلق بالإيرادات"، وهو من الأهداف التوجيهيّة الأساسية في مبادئ سانتياغو، ثمة استثمارات أخرى للصندوق انطوت على ما يبدو على قرارات من وليّ العهد متخذة بشكل أحادي ومشكوك فيها. تخضع موارد الدولة السعوديّة فعليا لسيطرة شخص واحد، وهو لا يمارس هذه السيطرة للمصلحة العامة، رغم التزام رؤية 2030 بذلك، وإنما يتصرّف في هذه الموارد إلى حد كبير بطريقة تعسفيّة وغير شفافة وغير خاضعة للمحاسبة.
تضع استراتيجية برنامج الصندوق للفترة 2021-2025 إطارا للحوكمة والعمليّات يبدو قويا. بحسب الاستراتيجيّة، فإنّ نموذج حوكمة الصندوق وتشغيله "يتماشى مع أفضل الممارسات العالمية المتبعة" و"يعزّز مستوى الشفافية". و"لجنة الاستثمار التابعة لمجلس الإدارة" هي التي "تُعنى بمراجعة الأنشطة الاستثمارية للصندوق". هناك خمس لجان على مستوى الإدارة هي التي "تعمل على مراجعة الأنشطة الاستراتيجية والتشغيليّة، وتضطلع بتقييم المقترحات الاستثمارية وغير الاستثمارية قبل رفعها إلى مجلس الإدارة". غير أنّ تقارير إعلامية حول إجراءات الصندوق أشارت مؤخرا إلى أنّ هذه الضمانات المؤسسية يُمكن أن يلتفّ عليها وليّ العهد.
في 2022، على سبيل المثال، أفادت نيويورك تايمز أنه "بعد ستة أشهر من مغادرة البيت الأبيض"، حصل جاريد كوشنير على استثمار بقيمة 2 مليار دولار من الصندوق في شركة للأسهم الخاصة (private equity) يملكها وكان قد أنشأها حديثا، "رغم اعتراض مستشاري الصندوق على مزايا الصفقة". راجعت نيويورك تايمز السجلات والمراسلات الداخليّة للصندوق، ووجدت أنّ الفريق المكلّف بالتدقيق داخل الصندوق عبّر عن مخاوف جدية بشأن الاستثمار المقترح. وأظهرت محاضر الاجتماعات أنّ أعضاء الفريق الأربعة جميعهم لم يؤيدوا المقترح أثناء الاجتماع. لكن بعد أيام، قرّر مجلس إدارة الصندوق، برئاسة وليّ العهد "رفض قرار الفريق".
ردّا على أسئلة من مجلس الإدارة، قالت رسالة من الصندوق إنّه لم يتمكن من تخفيض حجم الاستثمار، الذي "يهدف إلى تكوين علاقة استراتيجيّة مع "صندوق أفينتي بارتنرز" ومؤسسه جاريد كوشنير"، وإنّ التخفيض "قد يؤثر سلبا أو جوهريا على إطار العلاقة الاستراتيجية والتجاريّة المتفق عليها". قال خبراء الأخلاقيات الذين تحدثوا إلى نيويورك تايمز إنّ الصفقة خلقت "ما بدا كأنه تسديد حساب محتمل مقابل أفعال السيد كوشنير في البيت الأبيض – أو محاولة للحصول على خدمات مستقبلية إذا فاز السيد ترامب بولاية رئاسيّة أخرى في 2024".
في مثال آخر، أراد محمد بن سلمان من الصندوق أن يشتري أسهما في بداية 2020 مع تراجع الأسواق في بداية الجائحة العالميّة، وفقا لمحافظ الصندوق ياسر الرميان. أفادت صحيفة وول ستريت جورنال أنّ ولي العهد "اختار شخصيا العديد من الأسهم التي اشتراها الصندوق، وسرّع عمليات الشراء من خلال لجنة مستحدثة تجاوزت قنوات صنع القرار العادية". في مقابلة في إطار فيلم وثائقي لقناة إم بي سي، قال الرميان إن مجلس إدارة الصندوق صوّت ضدّ هذه الخطوة لأنه اعتبرها محفوفة بالمخاطر. لكن وفقا للرميان، عمد محمد بن سلمان إلى "رفع المسألة إلى الملك"، الذي "أصدر مرسوما ملكيا يسمح لنا بتجاوز قواعد حوكمة الصندوق الحالية، واتباع رأي رئيس مجلس الإدارة (محمد بن سلمان)". وتابع قائلا: "لم يكن من الممكن إقناع مجلس إدارة الصندوق برأي محدد، لذلك عملنا خارج الخطوط العريضة للحوكمة".
يبدو أيضا أنّ ياسر الرميان، محافظ الصندوق، يتصرّف نيابة عن محمد بن سلمان لدى العمل على استثمارات الصندوق، وهو عضو في مجلس إدارته، ورئيس مجلس إدارة كل من "نيوكاسل يونايتد" و"ليف غولف"، وعُيّن في مجلس إدارة أرامكو في 2016. وقد وصف تقرير للمعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية الرميان بأنه "واحد من أقرب المقربين الشخصيين لولي العهد". وقد أرسله وليّ العهد للتوسط في صفقات الصندوق نيابة عنه بشكل أحادي، وفقا للمعهد الألماني، وشمل ذلك ما وصفه المعهد بأنه تجاوز لما هو مسموح به بموجب إجراءات الاستثمار الداخلية والمراجعات الخاصة بالصندوق.
في 2017 و2018، أبدى الصندوق رغبة في الاستثمار في شركة السيارات "تيسلا". في وثائق قضائيّة تتعلق بقضية قدمت في محكمة أمريكية وراجعتها هيومن رايتس ووتش، عندما سأل الرئيس التنفيذي إلون ماسك الرميان "ما إذا كان هناك صنّاع قرار آخرون يجب استشارتهم، ردّ الرميان بالنفي، وقال إنّه هو من يتخذ القرار". وفقا لماسك، في اجتماع عقد عام 2018 مع ممثلي الصندوق، ومنهم الرميان، أبلغ الصندوق ماسك أنهم استحوذوا على حصة بنسبة 5% في تيسلا "بناءً على مناقشة شفوية واتفاق شفوي وعدم مناقشة السعر". وتابع ماسك: "ما يعنيه ذلك هو أنه يمكنك الوثوق بكلمتهم. وبالتالي - لا - لم تكن هناك حاجة إلى اتفاق مكتوب، ولم تكن هناك حاجة إلى مناقشة السعر". تأتي الملفات من دعوى قضائية ضد ماسك رفعها مستثمر في تيسلا في عام 2021 زعم أن ماسك انتهك "قانون بورصة الأوراق المالية" من خلال تقديم تصريحات كاذبة في تغريدات حول تحويل تيسلا من شركة عامة إلى شركة خاصة وتعريض الشركة للمسؤولية المحتملة وخسائر السوق. في فبراير/شباط 2023، قررت هيئة محلفين أن ماسك غير مسؤول عن الخسائر التي تكبدها المستثمرون.
في 2018، أفادت وول ستريت جورنال أنّ أربعة مسؤولين تنفيذيين غربيين كبار على الأقل جُلبوا لقيادة جوانب مختلفة من استراتيجية استثمارات الصندوق، لكنهم سرعان ما غادروا بعد أن أدركوا هيمنة وليّ العهد على الصندوق. ترك إريك إبرماير منصبه كرئيس الاستراتيجية "في غضون أسابيع" بعد "أن أدرك أنه لن يكون له رأي يُذكر في استراتيجية صندوق يسيطر عليه ولي العهد محمد بن سلمان". كما غادر موظفون كبار آخرون بسبب الإدارة الدقيقة لمحمد بن سلمان، وفقا لـ وول ستريت جورنال، وأشاروا إلى أنّ "الأفكار والصفقات تنحدر من أعلى إلى أسفل".
ارتباط الصندوق بانتهاكات حقوق الإنسان
استفاد الصندوق من الانتهاكات الحقوقيّة وسهّلها
خلال الفترة التي خضع فيها لإدارة ولي العهد محمد بن سلمان، استفاد الصندوق من الانتهاكات الحقوقيّة المرتبطة مباشرة بوليّ العهد، ومنها حملة "مكافحة الفساد" لسنة 2017 التي شملت الاحتجاز التعسفي، وسوء المعاملة، والابتزاز. كما سهلت الشركات المملوكة والمسيطر عليها من قبل صندوق الاستثمارات العامة انتهاكات حقوق الإنسان، منها قتل الصحفي والناقد السعودي البارز جمال خاشقجي في 2018. وفقا لأحد التحليلات، فإنّه لا تفسير لنسبة 15% من النموّ الذي حققه الصندوق بين ديسمبر/كانون الأول 2017 وأواخر يونيو/حزيران 2023. ومن غير الواضح ما إذا كان جزء من هذه النسبة البالغة 15% يشمل أصولا تم الاستيلاء عليها بدون احترام الإجراءات الواجبة على ما يبدو.
اعتقالات تعسفيّة وسوء معاملة ونقل أصول بالإكراه من قبل الحكومة السعوديّة
حصلت هيومن رايتس ووتش على وثائق حكوميّة سعوديّة وراجعتها، تظهر أنّ أعضاء مجلس إدارة الصندوق أمروا بمصادرة أصول، بشكل يفترض أنه لا يحترم الإجراءات القانونية، أثناء حملة "مكافحة الفساد" التي شنّها محمد بن سلمان، ونقلها إلى شركات يملكها الصندوق.
في 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، نفذت السلطات السعوديّة اعتقالات جماعيّة، وقبضت على أشخاص وأجبرتهم على تسليم أموال وأراضٍ وأصول أخرى، منها أسهم في شركاتهم. وفي اليوم نفسه، أصدر الملك سلمان "المرسوم الملكي أ/38"، الذي أنشأ لجنة لمكافحة الفساد برئاسة وليّ العهد محمد بن سلمان.
بين نوفمبر/تشرين الثاني 2017 وفبراير/شباط 2018، احتجزت السعودية رجال أعمال سعوديين بارزين، وأفرادا من الأسرة المالكة، ومسؤولين حكوميين فعليين وسابقين في "فندق ريتز كارلتون" ذي الخمس نجوم في الرياض. أثناء احتجازهم، استخدمت السلطات السعوديّة الإيذاء البدني لإرغامهم على تسليم الأصول، بحسب نيويورك تايمز، استنادا إلى مقابلات مطوّلة مع مسؤولين سعوديين وأفراد من الأسرة المالكة وأقارب لمحتجزين وأشخاص يعملون معهم. احتاج ما لا يقلّ عن 17 محتجزا إلى دخول المستشفى، وتوفي أحدهم لاحقا أثناء احتجازه. نفت السعودية اتهامات الإيذاء البدني وقالت إنها "غير صحيحة على الإطلاق".
هذه الحملة القمعيّة، التي زعمت الحكومة أنها تهدف إلى مكافحة الفساد، ركّزت الثروة والسلطة في يد وليّ العهد.
من خلال نقل جزء من أصولهم إلى الحكومة السعوديّة، تمكّن المحتجزون من "شراء" حريتهم. وفقا لتقارير إعلامية ومصادر تحدثت مع هيومن رايتس ووتش، وافق العديد من المعتقلين المعرّضين لخطر الانتهاك، وبعض الذين تعرضوا للانتهاكات من قبل الحكومة السعودية، على تسليم أصول كبيرة للحكومة السعودية.
استخدم المسؤولون السعوديون مزاعم الفساد لتبرير اعتقالات أخرى، بما في ذلك الاعتقال الجماعي بحق 298 موظفا حكوميا في فبراير/شباط 2020، في قضية لا علاقة لها بالصندوق. مثلما حدث في اعتقالات ريتز كارلتون، أثارت هذه الاعتقالات الجماعية مخاوف حقوقية كبيرة.
لطالما مارست النخبة الحاكمة في السعوديّة المحسوبيّة علنا، ويُعتقد أنّ الفساد متفشٍ فيها. لكن في فندق ريتز، بدت السلطات السعودية لا تعرف ما هي الأصول التي يمتلكها الأشخاص، وخاصة أصولهم في الخارج، وأيّ من هذه الأصول تم اكتسابها بوسائل مشروعة وأيّها بالفساد، وفقا لما قاله مصدر مطلع على علاقة وثيقة بستة رجال احتجزوا في ريتز كارلتون بين نوفمبر/تشرين الثاني 2017 ويناير/كانون الثاني 2018 لـ هيومن رايتس ووتش. قال المصدر إنّ المفاوضات كانت "تعسفيّة بالكامل"؛ حيث جاء مسؤولون سعوديون إلى المحتجزين في الفندق وطلبوا منهم تدوين أصولهم ثم "بدأت المفاوضات". قال المصدر إنه في بعض الحالات، قدّمت السلطات تقديرات مُبالغ فيها للغاية لثروات هؤلاء. وقال إنّ السلطات ابتزتهم بتسويات مالية من خلال الإكراه البدني، وكذلك تجميد حساباتهم المصرفيّة، ومنع أقاربهم من السفر إلى الخارج. أجبر بعض المعتقلين على تحويل أموال من حسابات مصرفية في الخارج إلى داخل البلاد، وأجبر آخرون على التوقيع على تعهدات بدفع مبالغ محددة، وجرى "تصفير" حسابات آخرين في يوم واحد. قال: "لم تُحترم الإجراءات. ما حدث هو 'سنأخذ منكم كل شيء ثم نرى لاحقا ما سنفعل'. ما حصل لم يحترم الاجراءات".
في 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، أصدر الملك سلمان أمرا ملكيا بتفعيل لجنة مكافحة الفساد وتوفير تكليف قانوني للتحقيقات في ممارسات الفساد. وقال النائب العام السعودي في بيان إن النطاق المحتمل للممارسات الفاسدة التي تم الكشف عنها كبير للغاية، وإن ما لا يقل عن 100 مليار دولار أمريكي قد أسيء استخدامها من خلال الفساد المنهجي والاختلاس على مدى عدة عقود". وفي 5 ديسمبر/كانون الأول 2017، قال النائب العام السعودي إن النيابة العامة ستحقق في الجرائم بالتنسيق مع إجراءات التحقيق المنصوص عليها في نظام الإجراءات الجزائية الذي يضمن حقوق المتهم. وقال البيان أيضا إن لجنة الفساد اتبعت الإجراءات المطبقة دوليا.
ومع ذلك، وجدت هيومن رايتس ووتش أن المعتقلين احتُجزوا دون محاكمة أو تهمة لأكثر من 16 شهرا ودون أساس قانوني واضح. لقد وثقت هيومن رايتس ووتش مرارا وتكرارا الانتهاكات المتفشية في نظام العدالة الجنائية في السعودية، بما في ذلك فترات الاحتجاز الطويلة دون تهمة أو محاكمة، والحرمان من المساعدة القانونية، واعتماد المحاكم على الاعترافات المشوبة بالتعذيب أساسا وحيدا للإدانة. مثل هذه الانتهاكات المنهجية لحقوق المتهمين لا يتفق مع المبادئ الأساسية لسيادة القانون والمعايير الدولية لحقوق الإنسان.
تُظهر بيانات مصرفيّة لاثنين من الرجال المعتقلين خلال الحملة حصلت عليها هيومن رايتس ووتش وراجعتها نشاطا يوحي بحصول تحويلات قسريّة. ومنها مجموعة من البيانات المصرفيّة، التي تغطي أكثر من عقد من المعاملات التي أجراها صاحب الحساب، وهو وكيل وزارة سابق في عهد وليّ العهد محمد بن نايف احتُجز في أواخر 2017. تُظهر هذه البيانات سلسلة من التحويلات الكبيرة وغير الاعتيادية من الحساب وإليه، منها تحويلات إلى شركة تملكها الآن شركة تابعة للصندوق. أكثر ما هو ملفت هو أنّ البيانات المصرفيّة تُظهر تحويلات تزيد عن 240 مليون دولار إلى وزارة المالية السعوديّة أثناء فترة احتجاز صاحب الحساب أو بعدها بفترة وجيزة. أطلق سراح صاحب الحساب من فندق ريتز في أواخر يناير/كانون الثاني 2018 لكنه اختفى مجددا في مايو/أيار 2022. ما يزال مكانه مجهولا.
أقرّ مسؤولون سعوديون بأنّ المعتقلين سلّموا أصولا مقابل حريتهم. أفادت صحيفة "فايننشل تايمز" أنّ الحكومة السعوديّة طالبت بما يصل إلى 70 % من ثروة بعض الأفراد مقابل الإفراج عنهم. في يناير/كانون الثاني 2019، نشرت "وكالة الأنباء السعوديّة" بيانا للديوان الملكي جاء فيه أن لجنة مكافحة الفساد "أنهت أعمالها" بعد استدعاء 381 شخصا للإدلاء بشهاداتهم. زعم البيان أنّه تمّت استعادة أموال للخزينة العامة للدولة تجاوز مجموعها 400 مليار ريال (107 مليارات دولار) "متمثلة في عدّة أصول من عقارات وشركات وأوراق مالية ونقد وغير ذلك. وشكر الملك "سمو رئيس اللجنة [أي لجنة مكافحة الفساد] وأعضاءها وفرق العمل المنبثقة عنها على ما بذلوه من جهد وحرص".
في 2019، قال وزير الماليّة السعودي، وهو أيضا عضو في مجلس إدارة كل من الصندوق وأرامكو، إنّ الصندوق لم يكن له أي دور في إدارة الأصول المصادرة من خلال التسويات أثناء حملة فندق ريتز. لكن بعضا من الأصول المصادرة خلال الحملة على الأقل ذهبت إلى شركة قابضة يملكها الصندوق بالكامل.
بالإضافة إلى وليّ العهد، لعب عضوان آخران في مجلس إدارة الصندوق دورا في ضمان نقل بعض الأصول المصادرة في الحملة إلى الصندوق في نهاية المطاف. كما عمل عضو آخر على الأقل في مجلس الإدارة، هو محمد آل الشيخ، مع هيئة مكافحة الفساد، التي أسسها الملك سلمان في أوائل نوفمبر/تشرين الثاني 2017 للإشراف على الحملة ضد الفساد. ونفذ عضو آخر، هو ياسر الرميان، أوامر بنقل ملكية شركات مصادرة أثناء الحملة إلى الصندوق.
آل الشيخ، وهو وزير يُركّز على المسائل الاقتصاديّة، عضو في مجلس الشؤون الاقتصاديّة والتنمية وفي مجلس إدارة الصندوق أيضا. ذكرت فاينانشال تايمز أنّ "الكثيرين يعتبرون [آل الشيخ] المستشار الاقتصادي الرئيسي للأمير محمد". نصّت رسالة رسميّة، وقعها آل الشيخ، وحصلت عليها هيومن رايتس ووتش على أنّ ولي العهد عيّنه مشرفا عاما على عمل الفرق والوحدات في إطار لجنة مكافحة الفساد، ومنحه صلاحيات كاملة لتنفيذ بعض أعمال اللجنة. لعب آل الشيخ دورا محوريا في مفاوضات التسوية في ريتز، بحسب منظمة "دون" الحقوقية التي تعنى بالشرق الأوسط.
في 22 و24 ديسمبر/كانون الأول 2017، كتب آل الشيخ رسالتين، كلاهما على ورق رسمي سعودي، إلى الرميان، يأمره فيها بنقل 20 شركة إلى الصندوق. راجعت هيومن رايتس ووتش الرسالتين، اللتين قُدّمتا في إطار إجراءات قضائيّة جارية. وفقا للرسالة الأولى، المؤرخة في 22 ديسمبر/كانون الأول 2017، أجرت لجنة الفساد مناقشات سابقة مع ممثلي الصندوق بشأن تحويل ملكيّة عدد من الشركات إلى الصندوق. كانت الرسالة بمثابة المتابعة لهذه المحادثات، وتحث على الانتهاء من عملية التحويل، وتطلب ردّا فوريا يشرح أسباب عدم الانتهاء من النقل بعد. كتب آل الشيخ أنه يجب إطلاع وليّ العهد على كلّ ما يحصل.
في 4 سبتمبر/أيلول 2024، كتبت هيومن رايتس ووتش إلى محمد آل الشيخ لطلب التعليق، لكنها لم تتلق أي رد حتى وقت نشر هذا التقرير. وفي مقابلة مع شبكة سي بي إس عام 2018، قال محمد آل الشيخ إن السعودية "لديها مشكلة خطيرة مع الفساد". وأضاف: "كنا قلقين من أنه إذا بدأنا في معالجة ملفات الأشخاص واحدا تلو الآخر، فقد يتم سحب بعض الأموال خارج المملكة، ما قد يكون له تأثير سلبي شديد على البلاد والاقتصاد. كان علينا أن نفعل ما فعلناه في الريتز".
في اليوم التالي، 23 ديسمبر/كانون الأول 2017، وفقا لآل الشيخ، بعث الرميان إلى آل الشيخ برسالة أعلمه فيها بأنّه وجه مذكّرة إلى مجلس إدارة الصندوق أوصاهم فيها بالموافقة على نقل الشركات المذكورة من خلال إنشاء شركة مساهمات مملوكة بالكامل للصندوق يتم نقل ملكيّة الشركات التي يتم تحويلها إليها. وفي 24 ديسمبر/كانون الأول 2017، بعد يومين من الرسالة الأولى، كتب آل الشيخ رسالة ثانية طلب فيها من محافظ الصندوق إعداد تقرير عاجل جدا حول سبب عدم نقل الشركات المحددة سابقا إلى الصندوق. وذكر بشكل صريح أنّ وليّ العهد هو الذي أمر بتحويل هذه الشركات إلى الصندوق. وفي 26 ديسمبر/كانون الأول 2017، استلم الرميان الأمر، ووجّه أحد مرؤوسيه، في رسالة على ورق رسمي، إلى تنفيذ المطلوب في أسرع وقت ممكن. وبعد أسبوع، أنشأ الصندوق "شركة تحكّم الاستثمارية"، التي نقلت إليها ملكيّة الشركات التي صودرت أثناء الحملة.
في أوائل 2018، أنشأ الصندوق شركة تحكّم، وفقا لتقرير صادر عن "شركة ديلويت" قُدّم في إجراءات المحكمة. تحكّم هي شركة فرعية يملكها الصندوق بالكامل. راجعت هيومن رايتس ووتش وثائق إدماج تصف شركة تحكم بأنها شركة مساهمة مغلقة مملوكة بالكامل للصندوق. نقلت ملكية الشركات التي اعتُقل المساهمون فيها وتعرّضوا للاعتداء إلى شركة تحكّم التي يملكها الصندوق.
رسالة آل الشيخ المؤرخة في 22 ديسمبر/كانون الأول تضمّنت 20 شركة، لكلّ منها اسم كامل ورقم سجلّ تجاري. كانت الغالبية العظمى من الشركات الـ20 (أو كلها) شركات واجهة أسسها محمد بن نايف حين كان وزيرا للداخليّة، بدءًا من منتصف عقد الـ 2000، لتمكين الحكومة السعوديّة من تنفيذ أعمال محلية واقليمية بقصد مكافحة الإرهاب، غالبا مع شركاء مثل الولايات المتحدة، مع حماية هويّة الحكومة السعوديّة. في يونيو/حزيران 2017، فرضت السلطات السعودية على محمد بن نايف الإقامة الجبرية ومنعته من السفر. وفي مارس/آذار 2020، اعتقلته السلطات السعودية واحتجزته بمعزل عن العالم الخارجي. ولخلق مسافة بين الدولة والشركات، أدخل محمد بن نايف مواطنين كمساهمين، بموجب اتفاقات ترشيح، يتلقون تعويضات عن خدماتهم واتّباعهم أوامر بن نايف. اثنان من هؤلاء المساهمين الاسميين هما ماجد المزيني وصديقه عبدالله السويلم. وكان سالم المزيني، شقيق ماجد، الرئيس التنفيذي لشركتي ألفا ستار وسكاي برايم.
راجعت هيومن رايتس ووتش وثائق تُظهر أنّ سالم المزيني أرغم على نقل ملكيته لشركة "ألفا ستار" إلى شركة تحكّم التي يملكها الصندوق، بعد مزاعم تعرضه للاحتجاز التعسفي والتعذيب من سبتمبر/أيلول 2017 حتى إطلاق سراحه في يناير/كانون الثاني 2018. أعيد اعتقال المزيني في أغسطس/آب 2020 ولا يزال مكانه غير معروف. وفي مايو/أيار 2022، وجد "الفريق العامل المعني بالاحتجاز التعسفي" الأممي أن احتجاز سالم المزيني تعسفي. وأشار الفريق العامل إلى أن الحكومة السعودية قالت إن الادعاءات المتعلقة بالمزيني غير دقيقة لكنها لم تتناول على وجه التحديد أي تفاصيل عن احتجازه في عام 2017 وتعذيبه المزعوم. قال مصدر مطلع لـ هيومن رايتس ووتش إن شركة مملوكة بشكل مشترك من أحد أفراد الأسرة نُقلت إلى الصندوق بدون موافقة المالكين. راجعت هيومن رايتس ووتش وثائق تُظهر تحويل أموال لم يوقع عليها أصحاب الشركات، لكن مع ذلك وافق عليها كاتب العدل الحكومي. نُفِّذ النقل إلى الصندوق. كان أحد المالكين أيضا محتجزا في ريتز كارلتون.
وقد تم تقديم الوثائق الحكومية السعودية المذكورة أعلاه كجزء من الإجراءات القانونية الجارية في كندا. في أوائل عام 2021، رفعت الشركات المملوكة لصندوق الاستثمارات العامة والتي تديرها شركة تحكم دعوى مدنية ضد ضابط المخابرات السعودي السابق سعد الجابري، الذي كان ضالعا بشكل وثيق في إنشاء هذه الشركات وعمليات مكافحة الإرهاب، في المحكمة الكندية، بزعم أنه اختلس مليارات الدولارات من الشركات. في يناير/كانون الثاني 2024، رفع الجابري دعوى مضادة ضد الرميان مدعيا أن الرميان نفذ تعليمات محمد بن سلمان بقصد "إيذاء وإسكات وتدمير عائلة الجابري" في نهاية المطاف. يزعم الجابري، الذي رفع دعوى قضائية ضد ولي العهد في الولايات المتحدة أيضا، أن ولي العهد خطط لاغتياله في أكتوبر/تشرين الأول 2018. وكانت لا تزال القضية المدنية الكندية جارية وقت النشر. ولم تعلق الحكومة السعودية علنا على الادعاءات المفصلة أعلاه بشأن تعذيب سالم المزيني واحتجازه التعسفي، ونقل الأصول بالإكراه خلال حملة مكافحة الفساد في عام 2017. وفي مارس/آذار 2020، احتُجز اثنان من أبناء الجابري، سارة وعمر، في السعودية في ظروف وجدها الفريق العامل التابعة للأمم المتحدة المعني بالاحتجاز التعسفي تعسفية، وقررت هيومن رايتس ووتش أنها ترقى إلى مستوى العقاب الجماعي.
أصول يملكها الصندوق تُسهّل عمليات الاغتيال
في أكتوبر/تشرين الأول 2018، بعد أقلّ من عام من نقل ملكية سكاي برايم إلى الصندوق، استُخدمت طائرات هذه الشركة لنقل الفريق الذي اغتال جمال خاشقجي. حيث استخدم عملاء سعوديون طائرتين لـ سكاي برايم للسفر إلى اسطنبول واغتيال خاشقجي في قنصلية بلادهم هناك والعودة إلى السعودية.
أكد تقرير للأمم المتحدة صدر في يونيو/حزيران 2019 عن المقررة الخاصة المعنية بالقتل خارج نطاق القضاء أنّ الطائرتين تملكهما سكاي برايم. استندت نتائج المقرّرة الخاصة إلى سجلات الرحلات الرسمية من "المنظمة الأوروبية لسلامة الملاحة الجوية". إحدى الطائرتين المملوكتين لـ سكاي برايم (HZ-SK2) طارت من الرياض إلى إسطنبول صباح 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018 وعلى متنها تسعة من العملاء السعوديين الـ15 الذين شاركوا في اغتيال خاشقجي. وفق سجلات رسميّة، فإنّ خطّة رحلة الطائرة HZ-SK2 قُدمت الساعة 19:30 بتوقيت غرينيتش. لكن عند الساعة 20:19 تم إلغاؤها وقُدمت من جديد الساعة 20:23 بتوقيت غرينتش مع تصريح ديبلوماسي. التصريح الديبلوماسي هو إذن خاص، وفقا للتشريعات الأوروبية، يُطلب للطائرات العسكريّة وغيرها من الطائرات الحكوميّة للهبوط داخل الحدود الوطنية أو التحليق فوقها. وفقا للوائح التركيّة، تُقدّم طلبات الحصول على التصريح الديبلوماسي إلى وزارة الخارجية "عبر الوسائل الديبلوماسيّة" وقبل عشرة أيام على الأقل من الرحلة المنوي إجراؤها.
وفقا للمقررة الخاصة للأمم المتحدة، فإنّ أحد الرجال الذين كانوا على متن الطائرتين هو الطبيب الشرعي الذي استخدم المنشار لتقطيع أوصال خاشقجي. وكما ذكرت المقررة الخاصة، "لا يوجد تفسير معقول لدوره، بخلاف الدور الذي أدّاه: تقطيع أوصال الجثة والتخلص منها". أما المسؤولون الثمانية الآخرون فكانوا أعضاء في الحرس الملكي وضباط مخابرات كبار. نقلت طائرتان تابعتان لـ سكاي برايم (HZ-SK1 و HZ-SK2) 13 من أصل 15 عميلا شاركوا في الاغتيال إلى الرياض، بينما سافر واحد عبر القاهرة وآخر عبر دبي.
قال مصدر مطلع إنّ شركات الطيران كانت تُستخدم لنقل الأسلحة وعناصر الاستخبارات والسجناء، في حين أنها ما تزال تعمل كشركات واجهة لوزارة الداخليّة. لكن بحلول أكتوبر/تشرين الأول 2018، لم تعد هذه الشركات شركات واجهة لوزارة الداخلية، وأصبحت جزءا من قائمة متزايدة ومتنوعة من الشركات التي يملكها الصندوق بالكامل.
بعد أشهر قليلة من قتل خاشقجي، في ديسمبر/كانون الأول 2018، صرّح الرئيس التنفيذي لـ سكاي برايم المعيّن حديثا للصحافة أنّ مالك شركات الطيران، أي الصندوق، قرّر فصل سكاي برايم عن ألفا ستار.
انتهاكات حقوقية مرتبطة بمشاريع الصندوق
ارتبطت انتهاكات حقوق الإنسان أيضا ببعض أبرز المشاريع الضخمة للصندوق. الحجم الهائل لهذه المشاريع، واحتياجها إلى عدد كبير من العمال، وأهميتها لوليّ العهد، إلى جانب غياب حماية العمال والمجتمعات المتضررة وعدم احترام الحقوق الأساسية، أسباب تجعل من هذه المشاريع الضخمة بشكل خاص محفوفة بالانتهاكات. لقد تحملت الأشخاص الأكثر تهميشا في السعودية – العمال الوافدون، والمجتمعات الريفيّة، والسكان الفقراء ومن الطبقة العاملة – وطأة الانتهاكات الناجمة عن مشاريع وليّ العهد الأكثر انتهاكا، بدعم من مستويات كبرى من رأس مال الصندوق. يُستخدم الصندوق لإجلاء السكان بالقوة، وهدم الأحياء، وإخضاع العمال لانتهاكات مروّعة، وإسكات المجتمعات المحلية.
عمليات اعتقال تعسفي وقتل خارج القضاء مرتبطة بنيوم
وثقت منظمات حقوقيّة سعوديّة، وتحقيقات صحفيّة، والأمم المتحدة انتهاكات خطيرة مرتبطة ببناء نيوم، وهي مجموعة مشاريع البناء التي تشمل "ذا لاين"، الذي يُبنى في شمال غرب البلاد قرب تبوك. ارتكبت السلطات السعودية انتهاكات ضدّ قبيلة الحويطات المحليّة.
رغم أن الفيديوهات الترويجيّة لـ نيوم زعمت أنّ المدينة ستُبنى على "أرض عذراء"، إلا أنّ الحويطات كانوا يجوبون المنطقة كرعاة لقرون، واستقروا مؤخرا هناك. وفقا لـ "منظمة القسط لدعم حقوق الإنسان"، وهي منظمة حقوقيّة سعوديّة مقرها بريطانيا، فإنّ السلطات السعوديّة أعلمت في يناير/كانون الثاني 2020 سكان قرى الخريبة وشرما وقيال، الموجودة في منطقة نيوم المخطط لها، سيتم إجلاؤهم لخدمة المشروع. أعرب السكان فورا معارضتهم الخطة، بسبل شملت كتابة عريضة ضدّ الإخلاء وقعها 174 عضوا من القبيلة، حصلت منظمة القسط على نسخة منها.
في أوائل 2020 أيضا، بدأ الناشط المحلي عبد الرحيم الحويطي في الاحتجاج، وسجل فيديوهات انتشرت على نطاق واسع، متهما الحكومة بالضغط على سكان المنطقة للتوقيع على التخلي عن منازلهم، وأعلن أنّ قوات الأمن تحاول إجلاءه وأعضاء آخرين من قبيلة الحويطات. في 12 أبريل/نيسان، وصلت السلطات السعوديّة إلى منزل الحويطي لقياس أرضه دون موافقته، وفي نفس اليوم نشر فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي يوثق الإخلاء القسري. وفي اليوم التالي، قتلت قوات الأمن السعودية الحويطي، وفقا لأقاربه وجيرانه. أظهرت فيديوهات منزل الحويطي تغطيه ثقوب الرصاص. لاحقا، نشرت السلطات السعوديّة بيانا قالت فيه إنّ الحويطي قُتل "بعد تحصّنه في منزله" فتمّ "التعامل معه لتحييد خطره". منذ عمليّة القتل هذه، اعتُقل ثلاثة من أشقاء الحويطي واحتُجزوا في السجن، وفقا لعلياء الحويطي، وهي ناشطة مقيمة في لندن ومتحدثة باسم القبيلة.
وفقا لمنظمة القسط، اعتقلت السلطات السعودية واحتجزت ما لا يقل عن 47 عضوا من قبيلة الحويطات "بسبب التعبير عن رفضهم لعمليات الإخلاء غير القانونية المرتبطة بمشروع نيوم أو مقاومتها سلميا". في أغسطس/آب 2022، أصدرت "محكمة الاستئناف الجزائية المتخصصة" "أحكاما بحق كل من عبد الإله راشد إبراهيم الحويطي وعبدالله دخيل الله الحويطي بالسجن 50 عاما، تليها 50 عاما من حظر السفر، لدعم رفض عائلاتهم إخلاء منازلهم قسرا لإفساح الطريق أمام مشروع نيوم"، وفقا لـ القسط. وفي أكتوبر/تشرين الأول 2022، وفقا لـ القسط، أصدرت المحكمة الجزائيّة المتخصّصة أحكاما بالإعدام، بناءً على تهم بموجب قانون مكافحة الإرهاب السيئ لسنة 2017 بسبب مقاومة عمليات الإخلاء القسري من الحكومة السعودية، في حق إبراهيم صالح أحمد الحويطي، وعطاء الله موسى محمد الحويطي، وشادلي محمد محمود الحويطي، شقيق عبد الرحيم الحويطي. تم تأييد هذه الأحكام في 23 يناير/كانون الثاني 2023.
تحدّثت هيومن رايتس ووتش مع بعض أفراد القبيلة في الأردن، قالوا إنهم سعداء بمدفوعات التعويض المقدّمة لهم مقابل انتقالهم. هناك معلومات مختلفة عن قيمة التعويضات. ذكرت صحيفة "الإندبندنت" أن العائلات عرض عليها مبلغ 3 آلاف دولار للانتقال، وأنّ حوالي أسرة واحدة من كل 30 أسرة قبلت. زعم تقرير آخر أنّ المبالغ التي عرضتها السلطات السعودية كانت في حدود 200 ألف ريال (حوالي 50 ألف دولار)، في حين أن القيمة الفعليّة للأرض كانت بملايين الريالات. في 2022، أفادت بلومبرغ أنه بعد مقتل عبد الرحيم الحويطي، "وسّعت السعوديّة حزم التعويضات المقدّمة إلى السكان الذين تم إجلاؤهم، ووعدت بمنحهم أراض في أماكن أخرى في المنطقة". قال السكان إنّ المسؤولين قد يقدّمون ما يصل إلى مليون ريال (266 ألف دولار) للعقارات الأكبر، لكن أصحاب المنازل الأصغر قد يتلقون "100 ألف ريال فقط – أقل من الراتب الشهري لبعض موظفي نيوم". أفادت بلومبرغ أن أحد أفراد القبيلة "قاوم الإخلاء في البداية، لكن بعد مقتل الحويطي وقطع الكهرباء وإغلاق المدارس من قبل السلطات، أدرك أنه ليس لديه خيار آخر، وهو الآن ينتظر دفع تعويضه. قال الرجل: 'ماذا يمكننا أن نفعل؟ نريد أن نعيش'".
الإخلاء القسري والهدم في جدّة
يهدف "مشروع وسط جدة"، وهو جزء آخر من خطة محمد بن سلمان رؤية 2030، إلى تحويل أحياء وسط مدينة جدّة التاريخية إلى منطقة تسوق وسياحة فاخرة. لكن المشروع شابته مزاعم الإخلاء القسري، والهدم الجماعي، والتمييز على نطاق واسع.
في ديسمبر/كانون الأول 2021، أعلن محمد بن سلمان عن مشروع وسط جدّة، وهو مشروع طموح بقيمة 20 مليار دولار لتطوير 5.7 كيلومتر مربع "في قلب مدينة جدّة" وإنشاء "وجهة عالميّة... على البحر الأحمر"، وفيه منتجعات شاطئية وفنادق فاخرة تضمّ أكثر من 2,700 غرفة، إلى جانب مراكز تسوق ودار للأوبرا ومتحف للأحياء المائيّة. شركة تطوير وسط جدّة المشرفة على المشروع يملكها الصندوق بالكامل.
الأحياء المختارة لهذا التطوير كانت سابقا نابضة بالحياة، إذ تسكنها الطبقة العاملة، وتأوي مزيجا من السعوديين من الطبقة المتوسطة والدنيا والأجانب والعمال الوافدين. في تصريحات للإعلام، وصفت السلطات السعودية هذه الأحياء بأنها فقيرة وبؤر للمخدرات وغياب القانون والجريمة.
وفقا للقسط، منذ أواخر 2021 وأوائل 2022، "طردت السلطات السعودية أعدادا كبيرة من الناس من منازلهم، وفي كثير من الحالات دون سابق إنذار". ومنذ أكتوبر/تشرين الأول 2021، قبل أن تعلن السلطات السعودية رسميا عن المشروع، تمّ هدم أحياء كاملة تسكنها الطبقة العاملة دون التشاور مع المجتمعات المحليّة أو تحذير كاف من السلطات، وفقا لـ "منظمة العفو الدولية" ومنظمة "دون" (DAWN). وجدت منظمة دون أنّه "بين أكتوبر/تشرين الأول 2021 ومايو/أيار 2022، هدمت السلطات السعودية ما بين 16 و20 حيا على مساحة 4,000 كيلومتر مربع". أظهرت صور بالأقمار الصناعية اطلعت عليها منظمة العفو الدوليّة أنّ السلطات السعوديّة هدمت ما لا يقلّ عن 20 حيا في المدينة بين أكتوبر/تشرين الأول 2021 ومايو/أيار 2022. أظهرت وثيقة صادرة عن بلديّة جدّة حصلت عليها المنظمة أنّ عمليات الهدم "تؤثر على أكثر من 558 ألف ساكن".
إنفاق كبير بلا شفافيّة ولا مساءلة
تثير التقارير المتعلقة بمشاريع الصندوق مخاوف بشأن انعدام الشفافيّة والمساءلة في ما يتعلق بقرارات استثمار تبلغ قيمتها مليارات الدولارات. رغم أنّ بعض صناديق الثروة السياديّة منفصلة هيكليا ومتمايزة عن الرئيس التنفيذي للحكومة، إلا أنّ العديد من هذه الصناديق، مثل الصندوق السعودي، تعمل بقدر ضئيل من الشفافيّة أو أشكال الحماية المفترضة لتنظيم تصرّف المسؤولين الحكوميين في المال. يخضع الصندوق السعودي لسلطة حاكم منتهِك وغير خاضع للمساءلة، بمساعدة مجموعة صغيرة من المستشارين المقرّبين، الذين يستخدمون أصول الصندوق لتحقيق مصالحهم الخاصة بدلا من المصلحة العامّة.
افتقار الصندوق إلى الشفافيّة والمساءلة
يعمل "معهد بيترسون للاقتصاد الدولي" على تقييم صناديق الثروة السياديّة في جميع أنحاء العالم على أساس مقاييس الشفافيّة والحوكمة والمساءلة. في 2019، منحت لوحة النتائج الصادرة عن المعهد، والتي تستند إلى معلومات علنية، الصندوق السعودي 39 درجة من 100. احتل الصندوق السعودي المرتبة 56 من أصل 64 صندوقا تمّ تحليلها، مباشرة أمام صندوق الاستثمار المباشر الروسي. صنّف معهد بيترسون الصندوق السعودي على أنه من الأقل شفافيّةً، والأقلّ خضوعا للمساءلة، وذو هيكليات الحوكمة الأقل مصداقيّة في العالم.
حتى المؤسسات الماليّة الدوليّة واجهت صعوبات في استخراج معلومات ماليّة أساسيّة عن الصندوق. أفادت وول ستريت جورنال أنّ المسؤولين التنفيذيين في الصندوق رفضوا في 2018 بعض الطلبات لصندوق النقد الدولي حول الشفافية في الاستثمارات وديون شركاته التي تملكها الدولة. في نهاية المطاف، "لم يُفصح الصندوق عن جميع المعلومات التي طلبها صندوق النقد"، وفقا للصحيفة.
تُحدّد اللوائح المؤقتة لحرية المعلومات في السعوديّة الأساس القانوني للحق في الوصول إلى معلومات القطاع العام في البلاد، وتحدد التزامات الكيانات العامة. تُشبه هذه اللوائح إلى حدّ كبير معايير حريّة المعلومات الدوليّة. تنصّ المادة 7.2 على أنّه "للفرد الحق في معرفة المعلومات المتعلقة بأنشطة الجهات العامّة تعزيزا لمنظومة النزاهة والشفافية والمساءلة"، وأنّ "أي قيود على طلب الاطلاع أو الحصول على المعلومات المحميّة التي تتلقاها أو تنتجها أو تتعامل معها الجهات العامة يجب أن تكون مبرّرة بطريقة واضحة وصريحة".
غير أنّ القانون لا يُحدّد هيئة موحدة للإشراف على اللوائح وتنفيذها، والهيئات العامة تتحمّل مسؤولية فرديّة في وضع وتنفيذ "السياسات والاجراءات المتعلّقة بممارسة حق الوصول إلى المعلومات العامة أو الحصول عليها". بعض الهيئات الحكوميّة السعوديّة، مثل وزارتَيْ العدل والماليّة، لديها معلومات مفصّلة عن حقوق الأفراد في الوصول إلى المعلومات الخاصة بكل جهة، والطريقة التي يستطيع من خلالها الأفراد تقديم "نموذج طلب معلومات عامة". غير أنّ الصندوق ليس لديه هذه الإجراءات على ما يبدو.
كما أنّ نطاق اللوائح محدود، فالمعلومات التي تعتبر محميّة ولا يُمكن الكشف عنها تشمل "المعلومات التي يؤدي إفشاؤها إلى الإضرار بالأمن الوطني للدولة أو سياستها أو مصالحها أو حقوقها". هذا الاستثناء يتماشى مع المعايير الدوليّة المعترف بها، لكن هناك قضايا حديثة في السعوديّة تُظهر أنّ تأويل ما يقع تحت استثناء "الأمن القومي" واسع بشكل غير متناسب. قد تخضع المعلومات المحميّة والسريّة بدلا من ذلك لـ "نظام عقوبات نشر الوثائق والمعلومات السريّة وإفشائها".
مثلا، في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، رفع الصندوق دعاوى ضدّ شركات الاستشارات الأمريكيّة "ماكنزي"، و"بوسطن كونسالتنغ غروب"، و"إم كلاين وشركاؤه"، و"تينيو" في المحكمة الإداريّة في الرياض. رفع الصندوق الدعاوى ضد الشركات لمنعها من تقديم معلومات إلى تحقيق في الكونغرس برئاسة السيناتور ريتشارد بلومنثال حول النفوذ السعودي عبر استثمارات الصندوق في الولايات المتحدة. تتم مناقشة هذا التحقيق بمزيد من التفصيل أدناه.
ادّعى الصندوق في المحكمة السعوديّة أنّ المعلومات التي طلبها تحقيق بلومنثال "مصنّفة على أنها سريّة" وإفشاؤها "قد يضرّ بالأمن القومي أو مصالح الدولة أو سياساتها أو حقوقها". وقد سعى الصندوق إلى الحصول على أوامر قضائيّة مؤقتة ضدّ شركات الاستشارات الأربع ونجح في ذلك، ما منع نشر السجلات المطلوبة. وفقا للسيناتور بلومنثال واللجنة المشرفة على التحقيق، فإنّ الوثائق المطلوبة تتعلق فقط باستثمارات الصندوق وأنشطته التجاريّة في الولايات المتحدة. شدّد بلومنثال على أنّ طلب الوثائق يتعلق فقط بالأنشطة التجاريّة للصندوق. كانت ما تزال القضايا التي رفعها الصندوق أمام المحكمة الإدارية بالرياض جارية عند كتابة هذا التقرير.
في جلسة استماع في إطار التحقيق في فبراير/شباط 2024، صرّح ممثل شركة إم كلاين وشركاؤه أنّ المعلومات التي طلبتها اللجنة "هي معلومات أعتقد أنّه يُمكن تقديمها إليها أو إلى الهيئات التنظيميّة المناسبة قبل الانتهاء من صفقة الاستثمار المحتملة التي تم إشراكنا للمساعدة في التفاوض عليها".
تنصّ المادة 5 من نظام عقوبات نشر الوثائق والمعلومات السرية وإفشاؤها السعودي على أنّ الكشف عن معلومات سريّة "يُعاقب بالسَّجن مدّة لا تزيد على عشرين سنة أو بغرامة لا تزيد على مليون ريال أو بهما معا". وتنصّ المادة 40 من النظام الأساسي للحكم على أنّ "المراسلات البرقيّة والبريديّة والمخابرات الهاتفيّة وغيرها من وسائل الاتصال مصونة". استُخدمت كلتا المادتين في قضيّة نوفمبر/تشرين الثاني لمنع الكشف عن معلومات تتعلق باستثمارات الصندوق في الولايات المتحدة.
التأويلات الواسعة للبنود المتعلقة بالأمن القومي من قبل المحاكم السعوديّة تحدّ كثيرا من المعلومات التي يُمكن الوصول إليها أو الحصول عليها طبقا للوائح حريّة المعلومات. وكما وجدت هيومن رايتس ووتش في تحقيقات سابقة، فإنّ المحاكم الجزائيّة السعوديّة لديها تاريخ طويل موثق من اعتماد تفسير واسع بشكل ينطوي على انتهاكات لبنود الأمن القومي، ما يمعن في إعاقة قدرة المواطنين السعوديين على ممارسة هذا الحق بشكل فعّال.
إضافة إلى ذلك، تحتجز السعوديّة بشكل منتظم، وخاصة في عهد محمد بن سلمان، المواطنين تعسفا حتى بسبب الانتقادات البسيطة للحكومة. كما حكمت المحاكم السعوديّة على الناس بالسَّجن لعقود من الزمن، وفي بعض الحالات بالإعدام، بسبب التعبير السلمي على الإنترنت. لذلك فمن المعقول أن يخشى المواطنون السعوديون قمعا مماثلا إذا قدّموا طلبا للحصول على معلومات عامة من خلال الإجراءات الرسميّة التي قد تكشف عن سوء إدارة ماليّة أو فساد.
يعمل الصندوق في دولة ليس فيها قضاء يحترم القوانين أو مستقل، وليس هناك سُبل قانونيّة تسمح للسعوديين بتقديم ملاحظات نقديّة للمسؤولين الحكوميين أو محاسبتهم على السياسات الفاشلة أو سوء الإدارة أو الفساد. كما أنّ غياب الحريات الأساسيّة والحقوق، مقترنا برفض الحكومة لوجود مجتمع مدني مستقلّ يستطيع مراقبة أعمال الحكومة والاعتراض عليها، يجعل من المستحيل على المواطنين طلب معلومات أو المشاركة في عمليّة صنع القرار الخاص بالصندوق، أو انتقاد الانتهاكات المرتبطة به أو السعي إلى تحقيق المساءلة بشأنها.
المشاريع العملاقة والفقر وانعدام المساواة
مدينة نيوم الجديدة المخطط لها على البحر الأحمر، التي أعلن عنها وليّ العهد محمد بن سلمان في أكتوبر/تشرين الأول 2017، هي مثال صارخ على أنّ غياب الشفافية والاستقلالية في الصندوق هو ما يُمكّن وليّ العهد من توجيه مبالغ هائلة إلى مشاريع معيّنة دون مراعاة المصلحة العامة.
شركة نيوم، التي تأسست في يناير/كانون الثاني 2019، مملوكة بالكامل للصندوق ومهمتها تطوير منطقة اقتصادية بقيمة 500 مليار دولار. يبدو مشروع نيوم من ضمن "أعلى أولويات" ولي العهد، كما ذكرت وسائل إعلام، و"الدولة السعودية تخصّص موارد هائلة لجعله حقيقة". نُقل عن الرئيس التنفيذي لـ نيوم نظمي النصر قوله: "كان صاحب السموّ معنا، ولست أبالغ، كل يوم تقريبا".
وفقا لبلومبرغ، كان أحد كبار المديرين في نيوم "منزعجا للغاية مما شاهده من إهدار للمال العام لدرجة أنه لم يكن ينام الليل". وقال آخر لوكالة الأنباء: "لم نتمكن حتى من تقدير تكلفة البناء. كنا نعلّق المباني بجانب المنحدرات، دون أن نعرف حتى البنية الجيولوجية". وردا على أسئلة حول ما إذا كانت نيوم قد ضالعة في هدر مالي، قال نظمي النصر، الرئيس التنفيذي لشركة نيوم، لبلومبرغ: "نحن لا نتصرف هكذا"، وأضاف أن نيوم تقيّم الموظفين على أساس تقدمهم في تنفيذ الخطط، وليس على أساس مقدار ما ينفقونه. وبدلا من تحسين حياة السعوديين، خلُصت بلومبرغ إلى أنّ نيوم أصبحت "نوعا من ضمان التوظيف بدوام كامل للمهندسين المعماريين وحتى مصممي الإنتاج في هوليود، حيث يأخذ كل واحد منهم حصة من ثروات البترول في السعودية مقابل عمل يشكّ الكثيرون في أنّه سيُستخدم يوما ما". وفقا لبلومبرغ، "عرضت نيوم رواتب معفاة من الضرائب بقيمة تتراوح بين 700 ألف و900 ألف دولار لبعض كبار الموظفين الوافدين – أي أكثر من 20 ضعف دخل السعودي العادي – ومجموعة واسعة من الحوافز الأخرى".
غياب المساءلة العامة في السعوديّة يعزّز مخاطر ألا تعود استثمارات نيوم وإنفاقها بالنفع على عامة الناس. في مقابلة مع بلومبرغ، قال وليّ العهد: "تخيّل أنك حاكم نيويورك دون أن تكون لديك أي مطالب عامة. فكم ستحقق للشركات والقطاع الخاص؟"
في يونيو/حزيران 2023، أعلنت وزارة الرياضة أنّ الصندوق سيستحوذ على حصّة بقيمة 75 % من فرق الدوري السعودي للمحترفين، والتي تضمّ "الأهلي" و"الاتحاد" و"الهلال" و"النصر"، التي تمنحه السيطرة على هذه الفرق. وسرعان ما ظهرت تفاصيل الصفقات المربحة لجلب لاعبين بارزين في كرة القدم إلى الفرق الأربعة، منها عقد لمدّة عامين بقيمة 400 مليون يورو مع كريم بنزيما. أفادت نيويورك تايمز أنّ "مئات ملايين الدولارات ستكون متاحة لشراء بعض أكبر نجوم اللعبة" وأنّه تمّ تخصيص 800 مليون دولار "لتعزيز قوائم الدوري".
إنفاق الصندوق على مثل هذه المشاريع يثير تساؤلات، وخاصة في ظلّ تقاعس الحكومة السعوديّة منذ فترة طويلة عن نشر بيانات أساسيّة حول الفقر. لا تعتمد السعودية تعريفا وطنيا للفقر، ولم تقترح الحكومة خطا للفقر.
في 2017، ذهب المقرّر الخاص للأمم المتحدة المعني بالفقر المدقع وحقوق الإنسان في بعثة إلى السعوديّة ولاحظ "بقلق عدم توافر أيّ أدلّة منهجيّة أو إحصاءات موثوقة عن الفقر". في 2005، أعدّ وليّ العهد الأمير عبد الله استراتيجيّة وطنيّة للحدّ من الفقر، لكنها لم تُنشر قط. كما وجد المقرّر الخاص أنّ "عدم نشر تلك الاستراتيجية يعود إلى انعدام الشفافيّة المقصود الذي اتسم به عمل الحكومة في مجال مكافحة الفقر منذ ذلك الحين". لعقود من الزمن، اشتكى الأكاديميون وصنّاع السياسات والمراقبون في السعوديّة من الافتقار إلى إحصاءات موثوقة، بينما تقاعست الحكومة السعودية عن إثبات أي تقدّم في توفير حتى أبسط البيانات عن الفقر. كما خلُص المقرّر الخاص إلى أنّ "هذا الخليط من البرامج التي تديرها مختلف الوزارات والسلطات العامة، فضلا عن المؤسسات الخيريّة، أدى إلى نظام حماية اجتماعية غير فعّال ولا يُمكن استدامته ويتسم بضعف التنسيق، ولم ينجح في توفير المساعدة الشاملة إلى من هم في أمسّ الحاجة إليها".
في 2023، قام تقرير صادر عن مؤسسة الإسكوا الأممية حول الفقر في مجلس التعاون الخليجي – وهي وحدة سياسية واقتصادية تضم البحرين والكويت وعمان وقطر والسعودية والإمارات – بتقدير خطوط الفقر (أي مستويات الدخل التي تعتبر كافية على الأقل لإعالة الأسرة) بناءً على أرقام مكاتب الإحصاء الوطنية في مجلس التعاون الخليجي بشأن دخل الأسرة ونفقات الاستهلاك حيث لم تتوفر أي معلومات رسمية. وجد التقرير أن السعوديّة لديها أعلى معدّل للفقر بين المواطنين في دول مجلس التعاون بنسبة 13.6 %، وبالتالي يؤثر الفقر على واحد من كل سبعة سعوديين تقريبا. لكن من المؤكد أنّ معدّل الفقر الفعلي أعلى من ذلك بكثير لأنّ هذا الرقم لا يشمل كل الناس في المملكة، وخاصة العمال الوافدين، الذين يُشكّلون حوالي 42 % من السكّان، والمهاجرين الذين لا يملكون وثائق – وهي مجموعة مهمشة جدا من الناحية الاقتصاديّة ومعرّضة لانتهاكات عمل منهجيّة.
وجد التقرير أيضا أنّ توزيع الإنفاق أكثر تفاوتا في السعوديّة مقارنة بدول مجلس التعاون الأخرى: حيث إنّ إنفاق أفقر 10 % من الأسر في السعوديّة أقلّ بنحو 16 مرّة من إنفاق الـ 10% الأثرى. وفي باقي دول مجلس التعاون، باستثناء البحرين، فإنّ إنفاق أفقر 10 % من الأسر أقلّ فقط أربع إلى سبع مرات من إنفاق أثرى 10% من الأسر. مرّة أخرى، لا تشمل مقاييس التفاوت هذه 42 % من سكّان السعوديّة الأكثر تهميشا من الناحية الاقتصاديّة. وجد التقرير ما يلي: "أدّت الاقتصادات المزدهرة في [بلدان مجلس التعاون] إلى تصوّر مفاده أنّ معدلات الفقر فيها منخفضة أو غير موجودة، ومن ثمّ لم يُبذل سوى القليل من الجهد في التحقيق في مدى انتشار الفقر وعمقه".
وتتحمل الحكومة السعودية التزاما دوليا بتخصيص أقصى الموارد المتاحة لتحقيق التقدم في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. تشير هذه الأرقام الأوّلية إلى ما يُمكن اعتباره معدلات مرتفعة بشكل مقلق للفقر وعدم المساواة في السعوديّة، ما يوحي بأنّ البلاد تنفق كميات كبيرة من مصادرها على مشاريع مغرورة ولا تقوم بواجباها المتمثل في استخدام أقصى قدر من الموارد المتاحة لتحقيق الحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة. تتفاقم هذه المخاوف عند النظر إلى انعدام الشفافيّة والمساءلة في الصندوق: حيث لا توجد آليات يُمكن للجمهور السعودي من خلالها الضغط على الحكومة لتخصيص المزيد من الموارد للتخفيف من حدّة الفقر وتوفير الخدمات الأساسية للفئات الأكثر تهميشا.
استخدام الصندوق لغسل انتهاكات السعوديّة
في حين أنّ الصندوق لعب دورا في تنويع الاقتصاد السعودي واتخذ قرارات استثماريّة يُمكن ربطها بدوافع ربحيّة، إلا أنّه يستخدم أصوله أيضا لزيادة الدعم الأجنبي للسعوديّة، ونشر معلومات مضلّلة حول السجلّ الحقوقي السعودي، وتحييد التدقيق، وإسكات المنتقدين، وتقويض المؤسسات التي تسعى إلى الشفافيّة والمساءلة.
تحت ستار النشاط الاعتيادي، تساعد استثمارات الصندوق في غسل سجلّ السعوديّة الحافل بانتهاكات حقوق الإنسان في بعض أكثر الكيانات استراتيجيةً من الناحية السياسيّة حول العالم. تساعد استثمارات الصندوق في الخارج على حشد دعم للسعودية رغم سجلها في انتهاكات حقوق الإنسان. في أفضل الأحوال، تسبّبت هذه الجهود في تقاعس مؤسسات ومسؤولين عن الإقرار بالسجلّ الحقوقي السعودي المروّع أو التحدث عنه؛ وفي أسوئها، تسببت في مضيّ بعض المسؤولين في الترويج الحثيث للأكاذيب حول الإصلاحات السعوديّة، وتقويض هيئات الرقابة الأجنبيّة التي تسعى إلى الشفافيّة والمساءلة.
قدّمت السلطات السعوديّة مزاعم متضاربة عن العلاقة بين الصندوق والحكومة السعوديّة. أظهرت وثائق قضائيّة تمّ تحليلها أدناه كيف ادّعى الصندوق أنّ استثماراته في الخارج تتعلّق بالأمن القومي للمملكة وتندرج ضمن الحصانة السياديّة عندما يتمّ التدقيق فيها. لكن، كلما كانت هناك مصلحة سياسية، زعم الصندوق أيضا أنّ استثماراته تستند فقط إلى أهداف اقتصاديّة وهي منفصلة عن الحكومة السعوديّة.
استثمارات من شأنها أن تُصمِت انتقاد السعوديّة
في يونيو/حزيران 2023، أعلنت رابطة الغولف بي جي إيه، وهي منظمة أمريكيّة غير ربحيّة، عن اتفاق يدمج الشركات التجارية والحقوق المتعلقة بالغولف العائدة إلى الصندوق، ومنها ليف غولف، مع بطولة "بي جي إيه تور". تضمّن الاتفاق الإطاري بين الرابطة وليف غولف "بند عدم تشهير"، نصّ على أنّ كلا الطرفين "لن يقوما في أيّ وقت من الأوقات، بشكل مباشر أو غير مباشر، بإبداء أو نشر أو تمكين أي شخص أو كيان أو أي منتدى عام من أي ملاحظات أو تعليقات أو بيانات تشهيريّة أو مهينة حول الطرف الآخر أو الشركات التابعة له أو مالكيه أو أعماله أو مديريه أو موظفيه أو مسؤوليه أو مساهميه أو أعضائه أو مستشاريه". قبل الاتفاق الإطاري في يونيو/حزيران 2023، أعرب مسؤولو الرابطة سابقا عن تحفظات بشأن ليف غولف يعود جزء منها على الأقل إلى قلق بشأن السجل الحقوقي السعودي. ولم تتوصل رابطة لاعبي الجولف المحترفين وليف غولف إلى اتفاق نهائي حتى أواخر أغسطس/آب 2024. وخلال مؤتمر صحفي في أغسطس/آب 2024، قال مفوض رابطة لاعبي الجولف المحترفين "بي جي إيه" جاي موناهان إن الموعد النهائي للمفاوضات "تم تمديده" إلى ما بعد 31 ديسمبر/كانون الأول 2023، وهو التاريخ المحدد أصلا للتوصل إلى اتفاق.
الاتفاق الإطاري بين الرابطة وليف ليس العقد الرياضي الوحيد البارز الذي يحظر انتقاد الحكومة السعوديّة. فقد كشف تحقيق لـ نيويورك تايمز أنّ عقد ليونيل ميسي مع "الهيئة السعودية للسياحة" يحتوي على بند يمنع اللاعب من قول أيّ شيء قد "يلطّخ" سمعة المملكة. كما منحه العقد "2 مليون دولار للترويج للسعودية على حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي 10 مرات في السنة"، وفقا لـ نيويورك تايمز.
في حالات أخرى، يتسبب إبرام أو إعلان استثمارات أو اتفاقات تجارية أخرى في تقييد الانتقادات للسعودية ومحمد بن سلمان على ما يبدو. مثلا، وجد تحقيق أجرته "ذي انترسبت" أن شركة الإعلام "فايس" (Vice) "نشرت ثم أزالت بسرعة" فيلما وثائقيا منتقدا لوليّ العهد في يونيو/حزيران 2023، بعد ستة أشهر من دخولها في شراكة مع "مجموعة إم بي سي"، وهي شركة إعلاميّة تسيطر عليها الحكومة السعوديّة، لكنها غير تابعة للصندوق. وفقا لـ ذي انترسبت، تمّ رفع الفيديو على "يوتيوب" يوم 29 يونيو/حزيران 2023 لكن بعد أربعة أيام تمّ تعديل إعدادته على أنّه خاص. أفادت تقارير أن الفيلم، وعنوانه "سعي وليّ العهد الشرس للسلطة"، يغطي عمليّة الاحتجاز في ريتز كارلتون في الرياض. وقالت مصادر في شركة فايس لصحيفة الغارديان إن الفيلم تمت إزالته بعد تدخل كبار الموظفين، بزعم أنه يشكل خطرا على سلامة الموظفين المقيمين في السعودية. كما أفادت الغارديان أنّ "فايس حظرت بشكل متكرّر قصصا إخباريّة قد تُسيء للحكومة السعوديّة، مما جعل مراسليها غير متأكدين ممّا إذا كانوا يستطيعون إعداد تقارير بحُريّة عن انتهاكات حقوق الإنسان في المملكة" بعد أن وقعت الشركة اتفاق شراكة مع إم بي سي. رفض متحدث باسم فايس الإدلاء بتعليق للغارديان.
فتح السيناتور ريتشارد بلومنثال، رئيس اللجنة الفرعيّة الدائمة للتحقيقات في مجلس الشيوخ الأمريكي، تحقيقا في الاتفاق بين رابطة بي جي إيه وليف غولف، فتوسّع ليفحص المخاطر المتصلة باستثمارات الصندوق المتزايدة في الولايات المتحدة. وقد دُعيت هيومن رايتس ووتش إلى حضور جلسة استماع في سبتمبر/أيلول 2023 بشأن التحقيق للإدلاء بشهادتها. وفي وقت نشر هذا التقرير، لم يكن قد تم تحديد جلسات استماع أخرى للتحقيق، ولم يكن قد صدر التقرير النهائي للتحقيق بعد.
خلال جلسة الاستماع الخاصة بالتحقيق في سبتمبر/أيلول 2023، شهد بن فريمان، وهو مدير في "معهد كوينسي للحكم المسؤول"، بأنّه "من السذاجة الاعتقاد بأنّ أعمال الصندوق المرتبطة برابطة بي جي إيه ليست جزءا من عمليات الضغط والعلاقات العامة والتأثير الأوسع نطاقا في المملكة". كما أكد السيناتور بلومنثال نفسه في ملاحظاته الافتتاحيّة خلال جلسة استماع في فبراير/شباط 2024 أنّ السعوديّة استخدمت "أدوات تجاريّة في الولايات المتحدة لزيادة نفوذها داخل حدودنا".
الصندوق قوّض جهود المساءلة في الخارج
أيضا، قوّض الصندوق فعليا آليات الشفافيّة والمساءلة في الخارج، بسبل منها استخدام الحصانة السياديّة. في يونيو/حزيران 2023، أعلن السيناتور ريتشارد بلومنثال عن التحقيق في الاتفاق الإطاري بين بي جي إيه وليف غولف. في رسائل إلى بي جي إيه وليف غولف، لاحظ بلومنثال أن السعوديّة لها "سجلّ مقلق للغاية في مجال حقوق الإنسان في الداخل والخارج"، ونيتها المعلنة هي "استخدام الاستثمار في الرياضة لتعزيز الأهداف الاستراتيجية للحكومة السعوديّة".
طلب تحقيق السيناتور بلومنثال في الاستثمارات السعوديّة في الولايات المتحدة بشكل متكرر من ممثلي الصندوق الحضور في اللجنة الفرعيّة الدائمة للتحقيقات والإدلاء بشهاداتهم أمام الكونغرس. حتى وقت كتابة هذا التقرير، رفض ممثلو الصندوق جميع هذه الطلبات، ولم يشهد أيّ منهم أمام اللجنة رغم أن الاستدعاء صدر في سبتمبر/أيلول 2023. كما منع الصندوق أربع شركات استشارات مقرّها الولايات المتحدة من الاستجابة والامتثال الكامل للاستدعاءات الصادرة عن اللجنة.
في يونيو/حزيران 2023، وجهت اللجنة رسالة إلى محافظ الصندوق ياسر الرميان تطلب منه الحضور شخصيا للإدلاء بشهادته في جلسة استماع في يوليو/تموز 2023 في إطار التحقيق. أبلغ محامي الصندوق، نيابة عن الرميان، اللجنة بأن الأخير لا يستطيع الإدلاء بشهادته في الجلسة بسبب "تضارب في المواعيد" لكنه يتطلّع إلى "دعم جهود اللجنة". في 27 يوليو/تموز، وجه السيناتور بلومنثال رسالة أخرى إلى الرميان، مجددا طلب حضوره شخصيا والإدلاء بشهادته في تاريخ يتفقان عليه في سبتمبر/أيلول 2023. لكن وفقا للجنة، فإنّ محامي الصندوق ردّ على الرسالة يوم 4 أغسطس/آب قائلا إنّ الرميان "ليس شاهدا مناسبا" لأنه "وزير ملزم بقوانين المملكة في ما يتعلق بسريّة بعض المعلومات".
كتب محامي الصندوق أنّ تحقيق اللجنة يُثير جوانب قانونيّة، منها "الاهتمام والعناية بمبادئ السيادة والمجاملة الدولية". ردّا على ذلك، قالت اللجنة إنّ الإيحاء بأن الأدوار الحكوميّة للرميان تمنعه من "الإدلاء بشهادته عن الأنشطة التجارية للصندوق هو أمر يبعث على القلق الشديد ولا يستقيم من الناحية القانونية"، وأنّ الشهادة والسجلات التي تسعى إليها اللجنة تتعلق "بالنشاط التجاري الحالي والمستقبلي للصندوق في الولايات المتحدة، وهو ما يتنزّل ضمن الاستثناء المحدّد بشكل جيّد للحصانة السيادية، ولا يثير قلقا كبيرا بشأن المجاملة الدوليّة أو السريّة".
في سبتمبر/أيلول 2023، أصدر رئيس اللجنة بلومنثال استدعاءً إلى "شركة يو إس إس إيه إنترناشيونال" (USSA International LLC) المملوكة بالكامل للصندوق في الولايات المتحدة للحصول على وثائق تتعلق باستحواذ الصندوق على شركة "أمريكان غولف" (American golf) والاستثمارات ذات الصلة في كل أنحاء الولايات المتحدة" لأنّ الصندوق ومحافظه ياسر الرميان رفضا بشكل متكرّر التعاون بشكل طوعي مع التحقيق. حتى وقت كتابة هذا التقرير، لم يكن قد امتثل الصندوق لهذا الاستدعاء.
كما طلبت اللجنة الفرعيّة من أربع شركات استشارات مقرها الولايات المتحدة – بوسطن كونسالتنغ غروب، وماكنزي، وإم كلاين وشركاؤه، وتينيو – تقديم شهادات ووثائق إلى التحقيق. وبعد رفض طلبات الحضور الطوعيّة، أصدرت اللجنة استدعاءات للشركات في نوفمبر/تشرين الثاني 2023. ردّا على ذلك، رفع الصندوق دعاوى ضدّ الشركات الأربع لدى المحكمة الإدارية السعوديّة، زاعما أن السجلات التي تسعى اللجنة إلى الحصول عليها "مصنّفة سريّةً" وبالتالي قد "تُضرّ بالأمن القومي أو مصالح أو سياسات أو حقوق المملكة" وتشكّل "تهديدا وشيكا لسيادتها". استند الأمر القضائي المؤقت الذي طلبه الصندوق، ووافقت على منحه المحكمة السعوديّة، على المادة 5 من نظام العقوبات الخاص بنشر المعلومات والوثائق السرية وإفشائها، التي تنص على أنّه "يُعاقب بالسجن مدّة لا تزيد على عشرين سنة أو بغرامة لا تزيد على مليون ريال أو بهما معا".
في 4 سبتمبر/أيلول، ردت شركة ماكنزي على هيومن رايتس ووتش قائلة: "نحن نحترم سلطة اللجنة الفرعية الدائمة للتحقيقات (اللجنة الفرعية) وعملنا على نطاق واسع للامتثال لاستدعائها. بعد وقت قصير من تلقي استدعاء اللجنة الفرعية، أصدرت محكمة سعودية أمرا قضائيا يحظر على ماكنزي الكشف عن مواد تتعلق بعملنا لصالح صندوق الاستثمارات العامة. وقد وضع هذا ماكنزي في موقف صعب، وقد عارضنا الأمر القضائي واستأنفنا إصداره".
وفي 4 سبتمبر/أيلول أيضا، ردت شركة تينيو على هيومن رايتس ووتش قائلة: "التزمت تينيو بشدة بالتعاون مع اللجنة الفرعية الدائمة للتحقيقات في مجلس الشيوخ الأمريكي (اللجنة الفرعية) منذ البداية، وقد خصصنا موارد واسعة النطاق لتحديد وتوفير المواد المستجيبة للاستدعاء من اللجنة الفرعية الذي تلقيناه العام الماضي. وسنواصل العمل بشكل تعاوني وبحسن نية مع اللجنة الفرعية".
اللجنة الفرعيّة الدائمة للتحقيقات هي اللجنة الدائمة الوحيدة في الكونغرس الأمريكي التي لديها سلطة إرسال أوامر استدعاء كجزء من تحقيقاتها. أنشئت هذه اللجنة في 1948، ولديها تفويض واسع، وأجرت تحقيقات في الفساد وغسيل الأموال وقضايا حماية المستهلك وإساءة استخدام البرامج الحكومية، من بين قضايا أخرى. رغم هذه العقود من التحقيقات في مواضيع تهم الجمهور، أشار رئيس اللجنة بلومنثال أثناء جلسة في فبراير/شباط 2024 إلى أنّ اللجنة "لم تنصَع قط لمطالب عامة وشاملة تتعلق بالحصانة السياديّة في الوثائق التجاريّة" وأنّ محاولات الصندوق المتكرّرة لعرقلة التحقيق "غير مسبوقة".
في 2022 و2023، قبل الإعلان عن الاتفاق الإطار، رفض الصندوق وياسر الرميان أيضا تقديم وثائق والحضور للإدلاء بشهادات تتعلق بإجراءات قانونية بين رابطة بي جي إيه وليف غولف، بحجة أنه لا توجد محكمة في الولايات المتحدة لديها ولاية قضائية عليهم بسبب الحصانة السياديّة. في فبراير/شباط 2023، رفضت محكمة فدرالية هذه الحجة، وخلُصت إلى أنّ "سلوك الصندوق يندرج ضمن استثناء النشاط التجاري في قانون "الحصانة السيادية الأجنبية"". وفقا للمحكمة، لا يُمكن اعتبار "أنشطة المستثمرين الاعتيادية" معلومات سريّة من شأنها أن تؤثر على السعودية، وأنّ أي اعتبارات سياديّة تقلّصت بسبب "نية الصندوق الاستفادة من سوق الولايات المتحدة".
في الولايات المتحدة، لا توجد آليات كثيرة يُمكن من خلالها مراجعة استثمارات الصندوق أو استثمارات صناديق الثروة السيادية الأخرى. لا تستدعي استثمارات الصندوق الآن مراجعة من قبل "لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة"، وهي لجنة أمريكيّة تراجع الاستثمارات الأجنبيّة التي قد تُشكّل تهديدا للأمن القومي. لم يتضمّن "قانون تحديث مراجعة مخاطر الاستثمار الأجنبي" لعام 2018، الذي "يعزّز ويحدّث لجنة الاستثمار الأجنبي"، اعتبارات حقوقية ضمن عمليات المراجعة التي تقوم بها اللجنة.
جهود الصندوق لخلق انطباع زائف بأنّه ليس جهة حكوميّة سعودية
في أوقات أخرى، استخدم الصندوق موارده الكبيرة لمحاولة خلق تمايز زائف بينه وبين الحكومة السعوديّة. بعد وقت قصير من اغتيال جمال خاشقجي، استأجر الصندوق شركة علاقات عامة في نيويورك ليخلق مسافة بينه وبين الحكومة. وفقا لملفات مقدّمة إلى وزارة العدل الأمريكية، وقع الصندوق عقدا بقيمة 120 ألف دولار شهريا مع شركة "كارف للتواصل" في نيويورك يوم 16 فبراير/شباط 2019 لتعزيز صورته وخلق "تمايز واضح" بينه وبين القيادة السياسيّة للمملكة. تم تكليف كارف بـ "تعزيز صورة وسمعة" الصندوق وكبار المسؤولين التنفيذيين فيه، مع "التأكيد على الغرض والتركيز التجاري البحت" للصندوق. وقال متحدث باسم الصندوق لصحيفة فاينانشال تايمز إن شركة كارف قدمت "استشارات تواصل استراتيجية لضمان فهم أصحاب المصلحة العالميين، وخاصة مجتمع الأعمال الأمريكي، لاستراتيجية الاستثمار طويلة الأجل المحددة بوضوح وأطر الحوكمة للصندوق بينما يواصل صندوق الاستثمارات العامة تطوير محفظته المحلية والدولية". وردا على الأسئلة التي أرسلتها هيومن رايتس ووتش، قال أندرو فرانك إن "شركة كارف كوميونيكيشنز عملت مع صندوق الاستثمارات العامة السعودي من يناير/كانون الثاني 2019 إلى يونيو/حزيران 2021" وأن "ملفات الشركة موثقة وتُظهر تواصلنا مع وسائل الإعلام وأطراف ثالثة أخرى".
استثمر الصندوق بشكل كبير في روسيا أيضا. في 2015، دخل الصندوق في شراكة استثمارية في صندوق الثروة السيادية الروسي، "صندوق الاستثمار المباشر". هذه "الشراكة الاستراتيجية طويلة المدى" ستستثمر أساسا في مشاريع على الأراضي الروسية. في سبتمبر/أيلول 2017، وفقا للصندوق، "كجزء من المفاوضات الروسية-السعوديّة أثناء زيارة سموّ الأمير محمد بن سلمان، نائب ولي العهد ورئيس مجلس الشؤون الاقتصاديّة والتنمية وصندوق الاستثمارات العامة"، وقع صندوق الاستثمار المباشر الروسي وصندوق الاستثمارات العامة السعودي مذكرة تفاهم لاستكشاف فرص تعزيز التعاون، بما في ذلك انضمام الصندوق السعودي إلى مجموعة المستثمرين الذين يطورون "مطار توشينو" السابق في موسكو. وبعد شهر، في أكتوبر/تشرين الأول 2017، أعلن الصندوق الروسي أنه سيستثمر عدة مليارات من الدولارات في نيوم، وسيشارك في بناء نيوم مع شركات التكنولوجيا الفائقة الروسية. وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2017، قال وزير الطاقة الروسي إنّ الصندوقين يدرسان استثمارات في أكثر من 20 مشروعا في العقارات والبنية التحتية والزراعة والنفط والغاز بقيمة تزيد عن 10 مليارات دولار. وفي 2021، نقلت صحيفة "عرب نيوز" عن الرئيس التنفيذي للصندوق الروسي قوله إنّ الصندوق سيستمر في "شراكته الاستراتيجية في العديد من المجالات" مع الصندوق السعودي، بسبل تشمل الاستثمار في المبادرات الخضراء السعودية.
في 2022، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على الصندوق الروسي. قال "مكتب مراقبة الأصول الأجنبيّة" التابع لوزارة الخزانة الأمريكيّة إنّ العقوبات الأمريكية على الصندوق الروسي فُرضت للحدّ من قدرة روسيا على "استخدام الأصول لتمويل" انتهاكات القانون الدولي، كردّ على غزو روسيا لأوكرانيا. وفقا لمكتب مراقبة الأصول الأجنبيّة، فإنّ القرار نابع من إدراك أنّ "صندوق الاستثمار المباشر الروسي يُعتبر على نطاق واسع صندوقا سريا للرئيس فلادمير بوتين، وهو رمز لحكم اللصوص الأوسع في روسيا". أصدر مكتب مراقبة الأصول الأجنبية عقوبات على الصندوق الروسي عملا بـ"الأمر التنفيذي رقم 14024"، الذي يُجيز فرض عقوبات على روسيا بسبب أنشطتها الخارجيّة الضارّة.
وسيلة لتلميع السمعة والغسل الرياضي
على مدى السنوات العديدة الماضية، استخدمت الحكومة السعوديّة تكتيكات مختلفة في محاولة لإعادة تأهيل صورتها وصرف الانتباه عن التصوّر العالمي للسعودية كمنتهكة شديدة ومستمرّة لحقوق الإنسان، وخاصة خلال فترة ولاية وليّ العهد محمد بن سلمان.
أعدّت هيومن رايتس ووتش تقارير عن حملة الحكومة التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات لاستضافة أحداث ترفيهيّة وثقافيّة ورياضيّة لكسب تأييد الجمهور، بما في ذلك استضافة مجموعة من مشاهير الإعلام، وبطولات الغولف، ومباريات في الملاكمة والمصارعة، وسباق الجائزة الكبرى "فورمولا 1". يبدو أنّ الحكومة السعوديّة أدركت أنّ استضافة مشاهير عالميين واستضافة أحداث وشركات ترفيهيّة ورياضيّة كبرى هي وسيلة قوية لتلميع سمعتها وإقناع المستثمرين الدوليين بالاستثمار في المملكة رغم تفشي انتهاكات حقوق الإنسان.
ويعمل "الغسيل الرياضي" على تلميع سمعة الحكومة من خلال استضافة أحداث رياضية كبرى تجتذب اهتماما إعلاميا إيجابيا واسع النطاق، في حين يتم صرف الانتباه بعيدا عن انتهاكات الدولة المضيفة.
الصندوق عنصر أساسي في رؤية 2030، التي تؤكد صراحة على دور الرياضة في تعزيز صورة المملكة في الخارج. أحد البرامج الـ13 التي تم تطويرها للمساعدة على تحقيق رؤية 2030 يسرد مبادرات عدة للاستجمام والترفيه، تشمل أهدافها خلق "صورة إيجابيّة للمملكة على الصعيد الدولي". كما تشير خطة التنفيذ إلى "تعزيز صورة المملكة باستخدام الديبلوماسية الرياضيّة". قدّمت السعوديّة عروضا واستضافت ودعمت بعض الأحداث الرياضيّة الكبرى في العالم، مثل مباريات "المصارعة الترفيهية العالمية" (WWE)، والجائزة الكبرى للفورمولا 1 في السعودية، وكأس العالم للأندية "فيفا 2023"، ونهائيات بطولة التنس ATP للجيل القادم 2024-2027، و"الألعاب الشتوية الآسيوية" 2029، و"الألعاب الآسيوية" 2034، و"كأس العالم فيفا" لكرة العالم للرجال 2034.
بدءا من يناير/كانون الثاني 2020، شرع الصندوق في محاولة شراء نادي "نيوكاسل يونايتد
في "الدوري الإنغليزي الممتاز". في البداية، تعثر العرض ورفضه الدوري الإنغليزي الممتاز. دعت هيومن رايتس ووتش الدوري الإنغليزي الممتاز إلى أخذ حقوق الإنسان في الاعتبار عند تقييم العرض، واعتماد سياسة شاملة لحقوق الإنسان. لكن، في 2021، عقد الصندوق صفقة لشراء نادي نيوكاسل بمبلغ 300 مليون جنيه إسترليني (387 مليون دولار أمريكي). وافق الدوري على بيع نيوكاسل لمجموعة من الشركات التي يقودها الصندوق بطريقة غامضة ودون أي سياسة حقوقية. يمتلك الصندوق اليوم 80% من نادي كرة القدم الإنغليزي. دعت هيومن رايتس ووتش ومنظمات حقوقيّة أخرى الدوري الممتاز إلى إعادة النظر في موافقته على بيع نيوكاسل.
البيان الصادر في أكتوبر/تشرين الأول 2021 عن الدوري الممتاز الذي أعلن فيه عن عملية البيع ذكر أنّه "تلقى تأكيدات ملزمة قانونا بأنّ السعوديّة لن تستحوذ على نادي نيوكاسل". لم يكشف الدوري عن ماهيّة هذه التأكيدات، ولم يشرح كيف أنها ملزمة قانونا. وبدلا من ذلك، قبل الدوري الإنغليزي على ما يبدو بالملاحظة التي تقول إنّ الصندوق منفصل عن الدولة السعوديّة، رغم أنه من الملحوظ والواضح أنّ الصندوق جهاز تابع للدولة، رئيسه هو الحاكم الفعلي للسعودية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وأعضاء مجلس إدارته جميعهم تقريبا وزراء ومسؤولون كبار آخرون حاليون، وهو صندوق سيادي للثروة يقدم تقاريره إلى مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية الحكومي.
كتبت هيومن رايتس ووتش إلى الرئيس التنفيذي للدوري الإنغليزي الممتاز ريتشارد ماسترز في مارس/آذار 2022 للتعبير عن مخاوف بشأن قرار نيوكاسل يونايتد ولإثارة المخاوف بشأن ضلوع صندوق الاستثمار العام السعودي في تسهيل انتهاكات حقوق الإنسان. وردّ ماسترز نيابة عن الدوري الإنغليزي الممتاز في مارس/آذار 2022 قائلا إن "الدوري الإنغليزي الممتاز تلقى تأكيدات ملزمة قانونًا بأن المملكة العربية السعودية لن تسيطر على نادي نيوكاسل يونايتد لكرة القدم". كما كتبت هيومن رايتس ووتش إلى الدوري الإنغليزي الممتاز في يونيو/حزيران 2020، موضحة الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها السلطات السعودية بعد أن أطاح محمد بن سلمان بمنافسه محمد بن نايف في عام 2017.
دليل الدوري الإنغليزي لا يشمل حقوق الإنسان ضمن "اختبار المالكين والمديرين" الخاص به، رغم أن امتلاك نوادي كرة القدم الكبرى من قبل كيانات تابعة للدولة أو أفراد مقرّبين من قادة الدول يتصاعد في أوروبا. وقد سمحت هذه الثغرة للسعوديّة باستخدام استراتيجية "الغسيل الرياضي" في الدوري الإنغليزي الممتاز. دعت هيومن رايتس ووتش الدوري الإنغليزي بشكل متكرر إلى اعتماد وتنفيذ سياسات حقوقيّة من شأنها أن تمنع الحكومات المتورّطة في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان من شراء حصص في أندية الدوري الممتاز لغسل سمعتها، وكذلك الكيانات الحكوميّة التي تسيطر عليها.
حتى يناير/كانون الثاني 2023، كان الصندوق يملك حصّة بقيمة 93 % من ليف غولف، ما يُشير إلى مخاوف جديّة من الدور الذي قد تلعبه الرابطة في تلميع صورة السعودية واستخدام "الغسيل الرياضي" للانتهاكات المستمرة التي ترتكبها السلطات السعودية. راسلت هيومن رايتس ووتش ليف غولف في أغسطس/آب 2022، وحثتها على وضع استراتيجيّة للتخفيف من مخاطر غسل سمعة الحكومة السعوديّة. لم تردّ ليف غولف على رسالة هيومن رايتس ووتش، ولم تحدد ما إذا كانت تسعى إلى وضع مثل هذه الاستراتيجيّة.
في 6 يونيو/حزيران 2023، أعلنت رابطة بي جي إيه عن اتفاق يجمع بين شركات الصندوق التجاريّة المتصلة بالغولف والحقوق، بما في ذلك ليف غولف، مع جولة بي جي إيه و"جولة موانئ دبي العالمية" لإنشاء "كيان جديد مملوك بشكل جماعي وهادف للربح". من شأن هذا الدمج أن يضع الحكومة السعوديّة في مرتبة غير مسبوقة من حيث الملكية والتأثير والسيطرة على دوري رياضي محترف بالكامل، ما قد يمكّنها فعليا من غسل سجلّها الحقوقي الفظيع. في وقت النشر، لم يكن قد تم التوصل إلى اتفاق نهائي بين ليف غولف وبي جي إيه تور. ووفقا لبلومبرغ، التقى ممثلو الصندوق مع مسؤولي بي جي إيه تور في سبتمبر/أيلول 2024، لكن التقدم نحو التوصل إلى اتفاق "كان بطيئًا".
حثت هيومن رايتس ووتش مجلس سياسات رابطة بي جي إيه على تبني سياسة واضحة لحقوق الإنسان ووضع استراتيجية للتخفيف من خطر غسل سمعة الحكومة السعوديّة ووليّ العهد. حتى نوفمبر/تشرين الثاني 2024، لم تتلق هيومن رايتس ووتش ردّا من مجلس سياسات رابطة بي جي إيه، ولا توجد مؤشرات على أنّ الرابطة سعت إلى وضع استراتيجية لحقوق الإنسان.
في أكتوبر/تشرين الأول 2023، أكّدت الفيفا أنّ السعوديّة هي البلد الوحيد الذي طلب استضافة كأس العالم لكرة القدم للرجال في 2034، وهي واحدة من مبادرات عدة تؤشر على أن العقد القادم سيكون حافلا بالغسيل الرياضي السعودي. في تطوّرات أخرى مماثلة، استضافت السعوديّة في ديسمبر/كانون الأول 2023 نهائيات كأس العالم للرجال دون 21 عاما. وفي فبراير/شباط 2024، أعلنت "رابطة لاعبي التنس المحترفين" والصندوق عن "شراكة استراتيجية لعدّة سنوات". كما أعلنت "رابطة لاعبات التنس المحترفات" في أبريل/نيسان 2024 أنّ أدوارها النهائية الثلاثة القادمة، من 2024 إلى 2026، ستستضيفها الرياض، بعد اتفاق مع "الاتحاد السعودي للتنس".
استضافة كأس العالم للرجال تثير مخاوف خاصّة. تُظهر وثائق عرض استضافة بطولة الفيفا أنّه يتعيّن إجراء عمليات بناء كبيرة لكي تستضيف السعودية البطولة التي تضمّ 48 فريقا، منها 10 ملاعب جديدة على الأقل، وفنادق، ووسائل نقل وبنية أساسيّة ضروريّة أخرى. في 15 يناير/كانون الثاني 2020، كشفت "شركة القديّة للاستثمار"، وهي شركة يملكها الصندوق بالكامل، عن تصميم "استاد الأمير محمد بن سلمان" الجديد، وهو ملعب بتقنية عالية لكأس العالم. وفي 1 فبراير/شباط 2023، أعلن الاتحاد السعودي لكرة القدم عن خطط لبناء ثلاثة ملاعب جديدة في الرياض، والقدية، والدمام، وتجديد أربعة ملاعب قائمة، وتوسيع ثلاثة ملاعب أخرى. تحظر البلاد النقابات العمالية والإضرابات والاحتجاجات، ولا توجد أشكال حماية تُذكر لحقوق الإنسان لحوالي 13.4 مليون عامل مهاجر يعملون في مجال البناء أو وظائف أخرى منخفضة الدخل في قطاع الخدمات.
الغسيل الأخضر
تشمل الجهود الرئيسية الأخيرة للسعودية في مجال الاستثمار عبر الصندوق تسليط الضوء على الاستثمارات البارزة في تقنيات الطاقة النظيفة. لكن هذا النوع من استثمارات الصندوق يظلّ نسبة ضئيلة من استثماراته في الوقود الأحفوري، وبالتالي لا تزيد عن كونها عمليّة غسيل أخضر. رغم زعمه أنّ الأموال المتأتية من صادرات الوقود الأحفوري ستُستخدم في زيادة الاستثمارات في مصادر الطاقة المتجددة في الداخل، إلاّ أنه في 2021 لم تغطِّ مصادر الطاقة المتجددة سوى 0.3% من إجمالي توليد الطاقة في البلاد. في نفس الوقت الذي استثمر فيه الصندوق بشكل محدود في الطاقة النظيفة، استحوذ أيضا على أصول جديدة كبيرة في الوقود الأحفوري. كما كان الصندوق أداةً لصرف الانتباه عن مساهمة السعودية المتزايدة في أزمة المناخ، ودورها في قيادة الجهود الرامية إلى تقويض الاتفاقات الدوليّة وغيرها من الجهود الهادفة إلى معالجة أزمة المناخ.
استثمارات الصندوق في التكنولوجيا النظيفة متأخرة كثيرا عن استثماراته المستمرّة في الوقود الأحفوري. يعتمد الصندوق على الثروة النفطيّة ويظلّ مستثمرا رئيسيا في الوقود الأحفوري. في فبراير/شباط 2022، استحوذ الصندوق على حصّة بقيمة 80 مليار دولار في شركة أرامكو السعوديّة. أعلنت أرامكو في 2021 عن خططها لزيادة إنتاج النفط الخام من 12 إلى 13 مليون برميل يوميا في أفق 2027، وهي خطوة قالت "الجزيرة" بشأنها إنّ "علماء وخبراء في الطاقة ونشطاء قالوا إنها تتعارض بشكل مباشر مع ما هو مطلوب لتجنب آثار أكثر كارثيّة على التغيّر المناخي". والصندوق مستثمر أساسي أيضا في الوقود الأحفوري خارج السعوديّة. وفقا لتقرير أصدره "المجلس الأطلسي"، فإن البتروكيميائيات لا تزال تُشكّل %39 من استثمارات الصندوق في الشركات السعوديّة والاقليميّة، وهي غالبية استثماراته. في مايو/أيار 2020، استحوذ الصندوق على 2 مليار دولار من أسهم شركات النفط الكبرى، بما في ذلك استثمار بقيمة 827.7 مليون دولار في شركة النفط البريطانية "بريتيش بتروليوم". جاء ذلك بعد استثمار بقيمة مليار دولار في أربع شركات نفط أوروبية كبرى في أبريل/نيسان 2020.
يتعارض استمرار الصندوق في الاستثمار في الوقود الأحفوري وتمويل المزيد من عمليات الاستخراج مع التزامات السعوديّة في مجال المناخ. تقع على عاتق المملكة التزامات محدّدة لحماية حقوق الإنسان من الأضرار البيئيّة، منها اتخاذ خطوات ملموسة للوفاء بالتزاماتها وزيادتها بشأن الحدّ من انبعاثات الغازات المسببة الاحتباس الحراري بموجب "اتفاقية باريس بشأن التغير المناخي" لعام 2015. في 2021، حدّثت السعوديّة تعهدّها المتعلق بالانبعاثات في إطار اتفاقية باريس، حيث التزمت بخفض الانبعاثات بـ278 مليون طنّ بحلول 2030، لكنها لم تقدّم أي خطّ أساس لتقييم هذا التعهد. وجد "مرصد العمل المناخي" (The Climate Action Tracker) أنّ التخفيض المبرمج كان "غير كاف إلى حد كبير" مقارنة بـ"الحصة السعودية المنصفة من العمل المناخي" وأنّ التعهد كان "متسقا مع ارتفاع درجة الحرارة بأكثر من أربع درجات مئوية"، ما سيكون له آثار كارثية على الأرض.
تأتي الاستثمارات الخضراء للصندوق بالتوازي مع تقارير تفيد بأنّ الحكومة السعوديّة كانت تمارس ضغوطا لإزالة أجزاء من تقرير "الهيئة الحكومية الدوليّة المعنيّة بتغيّر المناخ" حول آثار التغير المناخي دعت إلى التخلّص التدريجي من الوقود الأحفوري و"الحاجة إلى إجراءات تخفيف عاجلة ومتسارعة على جميع النطاقات". يعارض المسؤولون السعوديون باستمرار المحتوى المتعلق بالجهود الدولية حول المناخ التي تدعو إلى "التحوّل" أو تنصّ على أنّ "تركيز جهود إزالة الكربون في قطاع الأنظمة الطاقيّة يجب أن يتحوّل بسرعة إلى مصادر خالية من الكربون والتخلص التدريجي النشط من جميع أنواع الوقود الأحفوري".
في يونيو/حزيران 2023، كتبت مجموعة من خبراء الأمم المتحدة إلى أرامكو السعودية للتعبير عن قلقهم بشأن الأنشطة التجاريّة للشركة، بما في ذلك تمويلها من قبل الصندوق، زاعمين أن هذه الأنشطة "تبدو مخالفة للأهداف والالتزامات بموجب اتفاقية باريس بشأن تغيّر المناخ، والتي تؤثر سلبا على تعزيز وحماية حقوق الإنسان في سياق تغير المناخ". أشارت الرسالة إلى خطط أرامكو لتوسيع إنتاج النفط الخام، فضلا عن خططها لاستكشاف المزيد من احتياطيات النفط والغاز لزيادة الطاقة الانتاجيّة. كتب الخبراء أنّ "رفض أرامكو خفض إنتاجها من النفط والغاز – واستمرار التنقيب – يساهم في خطر تجاوز ميزانية الكربون البالغة 1.5 درجة مئوية، مع ما يترتب عن ذلك من تفاقم كبير للآثار الحقوقيّة المتعلقة بتغيّر المناخ".
بالإضافة إلى ذلك، أثار الخبراء مخاوف بشأن سوء التأويل المزعوم من جانب أرامكو، وحجب المعلومات الرئيسيّة. وأشاروا إلى مزاعم مفادها أنّ أرامكو "تقدّم معلومات مضلّلة، بما في ذلك فرضيّة أنّ الاستدامة تشكل مصدر قلق أساسي لاستراتيجيتها التجاريّة، من خلال التسويق والإعلانات على نطاق واسع". ووجدوا أنّ "اعتماد استراتيجية تسويقية غير دقيقة بشأن انبعاثات أرامكو الإجماليّة وكثافة الكربون في إنتاجها من النفط الخام، وهو ما يُشار إليه غالبا بـ'الغسيل البيئي'، قد يكون ضارا بحقوق الإنسان". لاحظ الخبراء أنه مع تحول أرامكو مؤخرا نحو الدعم المالي الخاص، فإنّ "الشركات التي ساعدت في تمويل أنشطة أرامكو تساهم في الآثار الحقوقية المتعلقة بتغير المناخ، fخلاف مسؤولياتها الحقوقية". وسمّى الخبراء الصندوق باعتباره إحدى هذه المؤسسات الماليّة.
لعقود من الزمن، لعبت السعوديّة دورا رئيسيا في عرقلة التقدّم في مفاوضات المناخ العالميّة، سواء من خلال أعمالها أو بصفتها قائدة تتبعها دول أخرى بطاعة. في ديسمبر/كانون الأول 2023، كانت السعوديّة أكبر عقبة أمام التوصل إلى اتفاق في قمة المناخ "كوب 28" في الإمارات من خلال معارضتها الشديدة لأي محتوى قد يذكر الوقود الأحفوري صراحة. كما عارضت السعوديّة بندا يهدف إلى "مضاعفة قدرة الطاقة المتجددة ثلاث مرات على المستوى العالمي بحلول 2030".
المعايير الدولية لحقوق الإنسان
التزامات الحكومة السعودية في مجال حقوق الإنسان
صندوق الاستثمارات العامة هو أحد أجهزة الدولة السعوديّة. وقد أنشئ بمرسوم ملكي لإدارة أصول الدولة . يُشرف على الصندوق مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، وهو هيئة حكوميّة تُشرف على الشؤون الداخليّة للمملكة. ومجلس إدارته معيّن من محمد بن سلمان بصفته رئيس للوزراء، وهو الذي يرأس هذا المجلس.
وبالتالي فإن الصندوق ملزم باحترام التزامات السعوديّة في مجال حقوق الإنسان. وقد صادقت السعوديّة على "اتفاقيّة مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة"، و"اتفاقية حقوق الطفل"، و"الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري"، و"اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة". رغم أن السعودية لم تصادق على "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية" و"العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية"، إلا أنّ العديد من الأحكام الأساسية لهذين العهدين تعكس معايير القانون الدولي العرفي. كما انضمّت السعوديّة إلى "الميثاق العربي لحقوق الإنسان".
حظر الاحتجاز التعسفي
احتجزت السلطات السعوديّة المعتقلين في أماكن احتجاز غير رسميّة، تشمل فندق ريتز كارلتون بين نوفمبر/تشرين الثاني 2017 وفبراير/شباط 2018، دون الاتصال بمحام أو بقاض لأكثر من 16 شهرا وبدون أساس قانوني واضح. في يناير/كانون الثاني 2018، قال متحدث باسم سلسلة "ماريوت"، التي تملك علامة ريتز كارلتون: "الفندق يعمل بموجب توجيهات السلطات المحليّة وليس كفندق تقليدي في الوقت الحالي".
حظر الاحتجاز التعسفي معترف به في العديد من المعاهدات الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان، بما في ذلك الميثاق العربي لحقوق الإنسان، وهو قاعدة من قواعد القانون الدولي العرفي. وعلى نحو مماثل، تنص المادة 36 من "النظام الأساسي للحكم" في السعودية على أنه "لا يجوز تقييد تصرفات أحد أو توقيفه أو حبسه إلاّ بموجب أحكام النظام".
يرى فريق الأمم المتحدة العامل المعني بالاحتجاز التعسفي أن الاحتجاز يكون تعسفيا عندما لا تحترم السلطة القائمة بالاحتجاز، بشكل كلي أو جزئي، المعايير المتصلة بالحق في سلامة الإجراءات، بما في ذلك عقد جلسة سريعا أمام قاض بعد الاحتجاز الأولي.
أماكن الاحتجاز غير الرسميّة لا تتوفر فيها الضمانات التي تدعو إليها المعايير الدوليّة، بما في ذلك نظام لإدارة ملفات السجون، وعمليات تفتيش منتظمة، وموظفين مناسبين، وتدريب، ومراقبة. يثير استخدامها مخاوف كبيرة من الاحتجاز التعسفي، والتعذيب، وغيره من ضروب سوء المعاملة، وانتهاك الحقوق المتعلقة بالمحاكمة العادلة. لهذه الأسباب، نصّت "لجنة الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان" في تعليقها العام على المادة 7 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنيّة والسياسيّة على "اتخاذ ترتيبات لوضعهم [المحتجزين] في أماكن معترف بها رسميا كأماكن احتجاز، ولحفظ أسمائهم وأماكن احتجازهم، فضلا عن أسماء الأشخاص المسؤولين عن احتجازهم، في سجل يتاح وييسر الاطلاع عليه للمعنيين، بما في ذلك الأقرباء والأصدقاء".
الحظر المطلق للتعذيب
يُحظر التعذيب في جميع الظروف والأوقات. ينصّ الميثاق العربي لحقوق الإنسان على أن "تحمي كلّ دولة طرف كل شخص خاضع لولايتها من التعذيب النفسي أو البدني أو معاملته معاملة قاسية أو لاإنسانية أو مهينة" وأن "تتخذ التدابير الفعالة لمنع ذلك". كما تحظر اتفاقية مناهضة التعذيب بشكل صريح استخدام أي أقوال يتم الحصول عليها تحت التعذيب كدليل أثناء الإجراءات، إلا إذا كانت ضدّ الشخص المتهم بالتعذيب.
الإنفاق الحكومي وحقوق الإنسان
تقع على الدول التزامات دوليّة باحترام حقوق الإنسان وحمايتها وإعمالها، بسبل تشمل توفير موارد ضرورية معقولة لهذا الغرض. تقييم طريقة تصرّف الحكومة بالموارد المتاحة لها أساسي لتقييم جهودها في تحقيق التزاماتها الحقوقية.
يتمتع الناس بالحق في الوصول إلى المعلومات والمشاركة في الشؤون العامة، بما في ذلك ما يتصل بميزانية الحكومة. كما شرحت "المفوضية السامية لحقوق الإنسان" التابعة للأمم المتحدة و"الشراكة الدولية للميزانية" في تقرير مشترك سنة 2017، هناك "علاقة وثيقة بين ميزانيات الحكومات وحقوق الإنسان"، علاقة وثيقة "تم الاعتراف بها بشكل متزايد" من قبل هيئات حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، واللجنة المعنيّة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ولجنة حقوق الطفل، والمقررين الخاصين. علاقة حقوق الإنسان بعملية وضع الميزانية "مباشرة نسبيا"، بما في ذلك الحق في المشاركة في إدارة الشؤون العامة، والحق في الوصول إلى المعلومات، و"مبدأ المساءلة، بحيث تكون الحكومات مسؤولة أمام شعوبها عن أعمالها في تحقيق حقوق الإنسان".
أثارت المفوضية السامية لحقوق الإنسان والشراكة الدولية للميزانية مخاوف محددة بشأن الآثار المترتبة على "الإنفاق خارج الميزانيّة"، بما فيه الإنفاق من خلال "مصادر الدخل المتأتية من استخراج الموارد الطبيعيّة" للحكومات التي تسعى إلى الوفاء بالتزاماتها الحقوقية. وقد أنشأ عدد متزايد من الحكومات صناديق ثروة سيادية خارج الميزانية، مثل صندوق الاستثمار العام، حيث تودع فيها عائدات الحكومة والفوائض التجارية وعائدات الموارد الطبيعيّة، مثل النفط والغاز. العديد من هذه الصناديق تتحكم في أجزاء كبيرة ومتزايدة من الثروة، وتستثمر بعضها محليا، في مشاريع التنمية مثلا، أو في الخارج. عادة ما تصف صناديق الثروة السياديّة الغرض من استثماراتها على أنها زيادة قيمة هذه الصناديق لصالح الأشخاص الذين يعيشون في المجال الوطني.
كثيرا ما تعاني صناديق الثروة السياديّة من فجوات كبيرة في الشفافيّة والحوكمة والمساءلة. أشارت المفوضية السامية لحقوق الإنسان والشراكة الدوليّة للميزانية إلى أنّه "عندما يحدث الإنفاق خارج الميزانية، وغالبا بطريقة غير شفافة، فإنّ قدرة الحكومة على مراقبته والسيطرة عليه قد تتعطل بشكل كبير". هناك تحديات كبيرة في تحديد "ما يتم إنفاقه وعلى ماذا"، وفي ضمان "توافق الإنفاق الحكومي من مختلف المصادر، عندما تُجمَع، مع التزامات الحكومة في مجال حقوق الإنسان".
لا يوجد تعريف متفق عليه دوليا للفساد. "منظمة الشفافية الدوليّة"، وهي حركة عالميّة تعمل في أكثر من 100 دولة ضدّ الفساد، تُعرّف الفساد بأنه "إساءة استخدام السلطة لتحقيق مكاسب خاصة"، مشيرة إلى أنّ الفساد "يؤدي إلى تآكل الثقة، ويُضعف الديمقراطية، ويعرقل التنمية الاقتصادية، ويُفاقم عدم المساواة والفقر والانقسام الاجتماعي والأزمة البيئية".
قد يتسبب الفساد الذي يؤثر على قدرة الدولة على إعمال الحقوق تدريجيا في انتهاك التزاماتها باحترام هذه الحقوق وحمايتها وإعمالها. على سبيل المثال، أوضحت اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية أنه يتعين على الدول استخدام "أقصى قدر من الموارد المتاحة" لإعمال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وعدم كبح الفساد يعني أن الدول لا تستخدم أقصى قدر من الموارد المتاحة لها لإعمال الحقوق. والشيء نفسه ينطبق على عدم منع الإنفاق الحكومي المسرف أو معالجته، مثل الإنفاق أكثر من اللازم على السلع والخدمات أو الإنفاق الذي لا يستند إلى أدلّة سليمة.
في 2017، بعد زيارة إلى السعوديّة، خلُص المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بمسألة الفقر المدقع وحقوق الإنسان إلى أنّ نهج السعودية في القضاء على الفقر يتسم "بانعدام الكفاءة، وانعدام الاستدامة، وضعف التنسيق، وقبل كل شيء التقاعس عن توفير الحماية الاجتماعية الشاملة إلى من هم أمسّ الحاجة إليها". وفقا للخبير الأممي، هناك "أربعة مجالات رئيسيّة يتعيّن فيها على الحكومة تنفيذ إصلاح مستدام إن أرادت بلوغ أهداف رؤية 2030، مع القضاء على الفقر وضمان الحماية الاجتماعية وتشجيع احترام حقوق الإنسان في الوقت نفسه". وشملت هذه المجالات اتخاذ قرارات قائمة على الأدلّة والمشاركة العامة في الاستراتيجيات الرامية إلى تلبية الحقوق الاقتصاديّة للناس.
مسؤوليات الشركات في مجال حقوق الإنسان
في حين يقع على عاتق الحكومات الواجب الأساسي المتمثل في احترام حقوق الإنسان وحمايتها وإعمالها وفقا للقانون الدولي، فإنّ الشركات تتحمل أيضا مسؤوليات معترف بها دوليا فيما يتعلق بحقوق الإنسان، منها مسؤولية تجنب التسبب في انتهاكات حقوقية أو المساهمة فيها.
المبادئ التوجيهية للأمم المتحدة بشأن الأعمال التجاريّة وحقوق الإنسان، التي أقرّها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في 2011، مقبولة على نطاق واسع باعتبارها صياغة مشروعة للمسؤوليات الحقوقية للشركات. وقد تم تدعيمها بمجموعة متنوعة من الأدلة التفسيريّة والبيانات الصادرة عن مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان. الشركات، بما فيها الاتحادات الرياضية مثل الفيفا، وفورمولا 1، ورابطة بي جي إيه، واتحاد التنس النسائي، جميعها كيانات مشمولة بالمبادئ التوجيهية، وعليها احترام حقوق الإنسان في جميع عملياتها. تماشيا مع هذه المبادئ، على الاتحادات الرياضية اعتماد سياسات محددة وتوخي العناية الواجبة لتحديد أي مخاطر تسهم في الإضرار بحقوق الإنسان.
الآثار الضارة بحقوق الإنسان المرتبطة مباشرة بالشركات من خلال علاقاتها التجارية
وفقا للمبادئ التوجيهية، تتحمل الشركات مسؤولية "تجنب التسبب في الآثار الضارة بحقوق الإنسان أو المساهمة فيها من خلال الأنشطة التي تضطلع بها"، وكذلك "السعي إلى منع الآثار الضارة بحقوق الإنسان التي ترتبط ارتباطا مباشرا بعملياتها أو منتجاتها أو خدماتها في إطار علاقاتها التجارية، حتى عندما لا تسهم هي في تلك الآثار".
بموجب المبادئ التوجيهيّة، تتحمل الشركات مسؤولية انتهاكات حقوق الإنسان سواء عندما تكون متورطة بشكل مباشر في الانتهاك أو من خلال علاقاتها التجارية. تُفهم العلاقات التجارية على أنها "تشمل العلاقات مع الشركاء التجاريين، والكيانات في سلسلة القيمة، وأي كيان آخر تابع أو غير تابع للدولة ومرتبط بشكل مباشر بعمليات [الشركة] أو منتجاتها أو خدماتها". يُشير التعليق على المبادئ التوجيهيّة إلى أنّه "قد تُثار أسئلة تتعلق بالتواطؤ عندما تسهم مؤسسة تجارية في آثار ضارة بحقوق الإنسان، أو يُنظر إليها على أنها تُسهم في تلك الآثار، التي تسببها أطراف أخرى".
يشمل مفهوم "العلاقة التجارية" العلاقات بين المستثمر المشارك وصندوق الثروة السياديّة الذي يتشارك معه في مشاريع استثماريّة، والعلاقة بين الشركة والصندوق السيادي الذي يستثمر فيها، والعلاقة بين هيئة لتنظيم الشركات الخاصة والصندوق السيادي الذي تتشارك معه في سياق ممارسة سلطتها التنظيميّة (بما في ذلك عندما يسعى الصندوق السيادي إلى الاستثمار في شركة تحت سلطته). الشركات مسؤولة عن تخفيف الآثار الحقوقية السلبية المرتبطة بأي من هذه العلاقات التجارية.
مسؤوليات الشركات في اعتماد العناية الواجبة بحقوق الإنسان
تُنصّ المبادئ التوجيهيّة على أن تمارس الشركات العناية الواجبة بحقوق الإنسان لتحديد المخاطر الحقوقية المرتبطة بعملياتها، واتخاذ تدابير فعّالة لمنع تلك المخاطر أو تخفيف آثارها، وضمان حصول ضحايا أي ّ انتهاكات على سبل انتصاف.
لا بدّ للعناية الواجبة بحقوق الإنسان، من بين أمور أخرى، "أن تغطي الآثار الضارة بحقوق الإنسان التي تتسبب فيها المؤسسات أو تسهم فيها... وقد ترتبط ارتباطا مباشرا بعملياتها أو منتجاتها أو خدماتها في إطار علاقاتها التجارية". ولا بدّ أن تشمل عمليات العناية الواجبة بحقوق الإنسان التي تقوم بها الشركات مخاطر التواطؤ في غسل سمعة حكومات أو شركات أو أفراد متورطين في انتهاكات خطيرة مستمرة أو حديثة لحقوق الإنسان. يُمكن لعمليات العناية الواجبة الجديرة بالثقة أن تحدّد ما إذا كان الكيان الذي تدخل الشركة في علاقة معه قد انخرط في أنشطة منتهِكة، وتقييم مخاطر غسيل الانتهاكات في العلاقة التجارية، ووضع خطة لتخفيف آثارها.
تحسين السُمعة هو نشاط تجاري هام. تبيع شركات العلاقات العامّة وعودا صريحة بتحسين السمعة، ولكن العديد من العلاقات التجاريّة الأخرى، وخاصة تلك التي تشمل فنانين ورياضيين وسياسيين وشركات بارزة، تقدّم أيضا مزايا جمّة فيما يتعلق بالسمعة. ورغم أنه يُمكن استخدام القوّة الناعمة لتكوين تصورات عن السياسات الحكومية لأغراض مفيدة، مثل دعم السياحة أو المنتجات المحليّة، إلا أن القادة قد يلجؤون إلى تلميع صورتهم وغسل سجلاتهم الحقوقية السيئة، ما قد يصرف عنهم الجهود الرامية إلى مساءلتهم على هذه الانتهاكات. قد تأخذ عمليّة تلميع السمعة أشكالا عديدة، منها حالات تنطوي فيها علاقة العمل على مخاطر كبيرة للتغطية على انتهاكات محدّدة أو تبريرها أو إنكارها، أو تقويض الجهود الرامية إلى المساءلة. وإذا كانت العلاقة التجارية جزءًا من جهد متعمد لصرف الانتباه عن انتهاكات محددة لحقوق الإنسان، فقد يعتبر ذلك غسيلا للسمعة.
تماشيا مع مسؤولياتها الحقوقية بموجب المبادئ التوجيهيّة، على الشركات ألا تدخل عمدا في علاقة تجاريّة يكون غرضها الوحيد أو الأساسي إنكار انتهاكات حقوق الإنسان أو التغطية عليها. عندما تخدم العلاقة التجارية غرضا آخر بشكل أساسي، لكن يوجد خطر كبير يتمثل في أن تتسبب هذه العلاقة في تبييض السمعة، يتعيّن على الشركة أن تسعى إلى التخفيف من هذا التأثير. يُمكن تحقيق ذلك من خلال التحدث علنا عن تلك الانتهاكات التي قد تساعد العلاقات التجارية على إخفائها.
على الشركات أيضا الامتناع عن الأنشطة التي من شأنها تعزيز سمعة كيانات حكومية أو مسؤولين متهمين بشكل موثوق بارتكاب انتهاكات مؤخرا. أخيرا، ينبغي للشركات عدم الموافقة على أيّ شروط تعاقديّة صريحة أو ضمنيّة تقيّد قدرتها على التحدث علنا أو سرّا عن هذه الانتهاكات، بما يخالف متطلبات السرية النموذجيّة.
يمكن للشركات "تحديد المجالات العامة التي يكون فيه خطر تعرض حقوق الإنسان لآثار ضارة هو الأكبر، سواء كان ذلك بسبب سياق عمل بعض المزودين أو العملاء، أو بسبب العمليات أو المنتجات أو الخدمات الخاصة المعنية، أو بسبب اعتبارات أخرى ذات صلة، وأن تصنف هذه المجالات حسب الأولوية لبذل العناية الواجبة بحقوق الإنسان". نظرا للمخاطر الكبيرة المحتملة، يتعين على الشركات، في الحدّ الأدنى، إعطاء الأولوية للعناية الواجبة بحقوق الإنسان قبل التعامل مع صندوق الثروة السياديّة المرتبط بحكومة مسيئة. هذه الواجبات تنشأ قبل الدخول في علاقة تجارية جديدة وطالما ظلّت قائمة.
الخطوة الأولى التي يجب على أي مؤسسة تجارية أن تتخذها هي "تحديد وتقييم طبيعة الآثار الفعليّة والمحتملة الضارة بحقوق الإنسان التي قد تكون للمؤسسة التجارية يد فيها". وهذا يعني تحديد المخاطر المحتملة المرتبطة بعلاقة تجاريّة معيّنة، والأفراد والمجموعات المختلفة التي قد تتأثر بها، ومعايير حقوق الإنسان ذات الصلة، والتأثير الدقيق للعلاقة التجارية على كل من تم تحديدهم. ينبغي تكرار هذه الخطوة على فترات منتظمة طوال العلاقة التجاريّة، لأنّ أوضاع حقوق الإنسان متغيرة. ويجب بعدها دمج نتائج عملية التحديد والتقييم هذه في نهج المؤسسة.
تنصّ المبادئ التوجيهيّة على أن تقدّم الشركات تقارير رسميّة عن تدابير العناية الواجبة بحقوق الإنسان كمسألة تتعلق بالشفافية والمساءلة. وينبغي أن يكون الإبلاغ ذا "شكل وتواتر يعكسان حجم الآثار الضارة التي تلحقها المؤسسة بحقوق الإنسان ويسهل وصول الجمهور المستهدف إليها"، و"أن توفر معلومات كافية لتقييم مدى كفاية إجراءات تصدّي المؤسسة للأثر المعيّن الضار بحقوق الإنسان".
شكر وتقدير
أجرت أبحاث هذا التقرير كل من جوي شيا، باحثة السعودية في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش، وكريستين بيكرلي، باحثة أولى سابقة في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
راجع التقرير وحرّره مايكل بيْج، نائب مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. كما راجعت التقرير باحثةٌ في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؛ وليلى سعد، مساعدة الأبحاث للخليج في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؛ وآدم كوغل، نائب مديرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. كما راجع التقرير أرفيند غانيسان، مدير قسم العدالة الاقتصادية والحقوق؛ وسارة سعدون، باحثة أولى ومناصرة في مجال الفقر وعدم المساواة؛ وسيلفان أوبري، نائب مدير شؤون الفقر وعدم المساواة؛ ومينكي ووردن، مديرة المبادرات العالمية؛ ونيكول ويدرشايم، نائبة مديرة مكتب واشنطن؛ وسارة ياغر، مديرة واشنطن؛ وأنطونيا جوهاش، باحثة أولى سابقة في مجال الوقود الأحفوري؛ وأماندا ألامبي، مديرة الحملات والمشاركة العامة. قدّمت مسؤولة في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مساعدة في البحث والتحرير والإخراج.
قدّم كل من مايكل بوتشينيك، المستشار القانوني الأول، وطوم بورتيوس، نائب مديرة البرامج، مراجعة قانونية وبرمجيّة. قدّم مسؤول المنشورات ترافيس كار مساعدة في الإنتاج.
نحن ممتنون لأعضاء في "عيادة لوونستاين الدولية لحقوق الإنسان كلينيك" في كلية الحقوق في ˝جامعة يال˝ كتبوا مذكرة بحثية شكلت الأساس الأول لهذا التقرير.