Skip to main content
تبرعوا الآن

غزّة: غارة إسرائيليّة قتلت 106 مدنيين تشكل جريمة حرب مفترضة

على الحكومات تعليق تسليح إسرائيل ودعم تحقيق "المحكمة الجنائيّة الدوليّة"

بين أنقاض عمارة المهندسين، يحمل موظف الأونروا كرم الشريف أحد طفليه التوأم البالغ من العمر 18 شهرا والذي قتل في الغارة الجوية الإسرائيلية في 31 أكتوبر/تشرين الأول على المبنى، التي قتلت ما لا يقل عن 106 مدنيين، بينهم خمسة من أولاده وخمسة أقارب آخرين.  © 2023 محمد دحمان/أ ب فوتو
  • هاجمت القوّات الإسرائيليّة بشكل غير قانوني مبنى سكنيّا في قطاع غزّة يوم 31 أكتوبر/تشرين الأول 2023، دون وجود أيّ هدف عسكريّ ظاهر، ما أسفر عن مقتل 106 مدنيّين على الأقل، منهم 54 طفلا.
  • تسببت عشرات الغارات الجويّة الإسرائيليّة على غزّة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول بآلاف الخسائر المدنيّة، ما يُسلّط الضوء على الخطر الأكبر المتمثل في الهجمات غير القانونيّة بالأسلحة المتفجرة في الأماكن المأهولة.
  • على الحكومات تعليق نقل الأسلحة إلى إسرائيل، ودعم تحقيق "المحكمة الجنائيّة الدوليّة" في فلسطين، وفرض عقوبات موجهة ضد المسؤولين المتورّطين في انتهاكات قوانين الحرب.

(القدس) – قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إنّ الغارة الجويّة الإسرائيليّة على مبنى سكنيّ من ستّة طوابق يأوي مئات الأشخاص وسط قطاع غزّة يوم 31 أكتوبر/تشرين الأول 2023 تشكل جريمة حرب مفترضة. هذا الهجوم، الذي قتل 106 مدنيين، منهم 54 طفلا، هو من أكثر الهجمات دمويّةً منذ بدء القصف والتوغّل البرّي الإسرائيليَّين في غزّة عقب الهجمات بقيادة "حماس" على إسرائيل يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول.

لم تجد هيومن رايتس ووتش أي أدلّة على وجود هدف عسكريّ في محيط المبنى وقت الهجوم الإسرائيلي، ما يجعل الغارة عشوائيّة وغير قانونيّة بموجب قوانين الحرب. لم تقدّم السلطات الإسرائيليّة أيّ مبرّر للهجوم. سِجلُّ الجيش الإسرائيلي الحافل بالتقاعس عن التحقيق بشكل موثوق في جرائم الحرب المزعومة يُبرز أهميّة تحقيق المحكمة الجنائيّة الدوليّة في الجرائم الخطيرة التي ترتكبها جميع أطراف النزاع.

قال جيري سيبمبسون، المدير المشارك لقسم الأزمات والنزاعات في هيومن رايتس ووتش: "قتلت الغارة الجويّة غير القانونيّة التي شنتها إسرائيل على مبنى سكني في 31 أكتوبر/تشرين الأول ما لا يقلّ عن 106 مدنيين، منهم أطفال يلعبون كرة القدم، وسُكّان يشحنون هواتفهم في دكان على الطابق الأرضي، وعائلات نازحة تبحث عن الأمان. خلّفت هذه الغارة خسائر فادحة في صفوف المدنيين دون أن يكون لها هدف عسكري ظاهر – وهي واحدة من عشرات الهجمات التي سببت مذبحة هائلة، ما يؤكّد الحاجة الملحّة إلى تحقيق المحكمة الجنائية الدولية".

بين يناير/كانون الثاني ومارس/آذار 2024، أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات هاتفية مع 16 شخصا بشأن هجوم 31 أكتوبر/تشرين الأول على المبنى السكني المعروف بـ "عمارة المهندسين" ومقتل أقاربهم وآخرين. كما حلّلت هيومن رايتس ووتش صورا من الأقمار الصناعيّة، و35 صورة فوتوغرافية، و45 فيديو لآثار الهجوم، فضلا عن صور فوتوغرافية وفيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي. لم تتمكّن هيومن رايتس ووتش من زيارة الموقع لأنّ السلطات الإسرائيلية عمدت منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول إلى منع الدخول إلى غزة من معابرها. وقد رفضت إسرائيل بشكل متكرّر طلبات هيومن رايتس ووتش دخول غزة على امتداد السنوات الـ16 الماضية.

قال شهود إنّه، في 31 أكتوبر/تشرين الأول، كان هناك 350 شخصا أو أكثر يقيمون في عمارة المهندسين، المتاخم لجنوب "مخيّم النصيرات" للاجئين. 150 منهم على الأقل كانوا يلتجأون هناك بعد أنّ فرّوا من منازلهم في أماكن أخرى في غزّة.

حوالي الساعة 2:30 بعد الظهر، ودون سابق إنذار، أصابت أربع قنابل جويّة المبنى في غضون 10 ثوان تقريبا. تدمَّر المبنى بالكامل.

قال شقيقان إنّهما خرجا بسرعة من منزليهما المجاورين للبحث عن طفليهما وابن أخيهما، إذ كانا يعلمان أن الأطفال في الخارج يلعبون كرة القدم. قال أحدهما إنّه وجد ابنه البالغ من العمر 11 عاما تحت قضبان خرسانية وسط الأنقاض: "كان الجزء الخلفي من رأسه مشقوقا، وإحدى ساقيه بالكاد ظلّت متصلة بجسمه، وجزء من وجه محروقا، لكنّه بدا على قيد الحياة. أخرجناه في ثوان، لكنّه توفي في سيارة الإسعاف. دفنّاه في نفس اليوم". قُتل الأطفال الثلاثة في الهجوم.

لم يقل أيّ من الشهود الذين تمت مقابلتهم إنهم تلقوا أو سمعوا أيّ إنذار من السلطات الإسرائيليّة لإخلاء المبنى قبل الغارة.

أكدت هيومن رايتس ووتش من خلال مقابلات مع أقارب بعض الضحايا هوية 106 أشخاص قتلوا، منهم 34 امرأة، و18 رجلا، و54 طفلا. ومن المرجّح أن يكون العدد الجملي للضحايا أكبر من ذلك. "إيروورز"، وهي منظمة غير حكوميّة تحقق في الأضرار المدنيّة في مناطق النزاع، حدّدت في مواد مفتوحة المصدر أسماء 112 شخصا قتلوا، منهم 98 شخصا اتفقت عليهم المنظمتان. كما حددت إيروورز 19 شخصا آخرين، ليس بأسمائهم وإنما بصلاتهم بضحايا آخرين في عائلاتهم.

أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات مع شخصين شاركا في انتشال الجثث من تحت الأنقاض قالا إنهما كان يعملان معا ومع أشخاص آخرين يوم الهجوم، وساعدا في انتشال نحو 60 جثة، ثم انتشلوا حوالي 80 جثة أخرى على امتداد الأيام الأربعة التالية. قال شخص ثالث إنه ساعد على انتشال جثث من الأنقاض على امتداد 12 يوما بعد الهجوم. من الممكن أن تكون هناك جثث أخرى تحت الأنقاض.

لم تقدّم السلطات الإسرائيليّة أي معلومات علنيّة عن الهجوم، بما في ذلك الهدف المقصود، أو أي احتياطات لتقليص الضرر اللاحق بالمدنيين. كما أنّها لم تردّ على رسالة وجهتها إليها هيومن رايتس ووتش يوم 13 مارس/آذار تُلخّص النتائج وتطلب معلومات محدّدة.

تحظر قوانين الحرب الهجمات التي تستهدف المدنيين والأعيان المدنيّة، والتي لا تميّز بين المدنيين والمقاتلين، أو التي يُتوقّع أن تلحق ضررا بالمدنيين أو الأعيان المدنيّة لا يتناسب مع أيّ ميزة عسكريّة متوخاة. الهجمات العشوائيّة تشمل تلك التي لا تستهدف هدفا عسكريا محدّدا، أو تستخدم طريقة أو وسيلة قتاليّة لا يُمكن حصر آثارها على النحو المطلوب. على الأطراف المتحاربة اتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة لتقليل الضرر اللاحق بالمدنيين، تشمل إرسال تحذيرات مسبقة وفعّالة بشأن الهجمات، إلا إذا كانت الظروف لا تسمح بذلك، وتجنيب المدنيين الخاضعين لسيطرتها آثار الهجمات. الانتهاكات الخطيرة لقوانين الحرب التي يرتكبها أفراد بقصد إجرامي – أي بشكل متعمَّد أو متهوِّر – تشكّل جرائم حرب.

قالت هيومن رايتس ووتش إنّ غياب الهدف العسكري من شأنه أن يجعل الهجوم على عمارة المهندسين متعمدا أو عشوائيا. إصابة المبنى أربع مرات تؤشر بقوّة إلى أنّ الذخائر كانت تهدف إلى إصابة المبنى، وأنّ الضربة لم تكن نتيجة عطل أو توجيه خاطئ. وحتى لو وجد هدف عسكري صحيح، فإنه يثير شكوكا في مدى تناسب الهجوم، نظرا إلى الوجود المرئي والمتوقع لأعداد كبيرة من المدنيين داخل المبنى وحوله.

هذه الغارة هي واحدة من مئات الهجمات التي نفذها الجيش الإسرائيلي في غزة وقتلت أو أصابت مدنيين فلسطينيين منذ الهجمات بقيادة حماس على جنوب إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول، التي أسفرت عن قتل أكثر من 1,100 شخص وأخذ حوالي 240 آخرين رهائن. أفادت منظمة إيروورز بشكل موثوق أنّ 195 هجوما للجيش الإسرائيلي قتل بين مدني واحد وتسعة مدنيين، و107 هجمات قتلت بين 10 و59 مدنيا، وأربع قتلت بين 60 و139. حتى 1 أبريل/نيسان، جمعت إيروورز أيضا معلومات أولية حول الضحايا المدنيين في 3,358 هجمة أخرى، يُرجح أنها شملت غارات جوية إسرائيلية.

تُبرز هذه الهجمات الضرر المدمّر اللاحق بالمدنيين وزيادة احتمال وقوع هجمات غير قانونية عند استخدام أسلحة متفجّرة ذات آثار واسعة في مناطق مكتظة بالسكان. على جميع الحكومات دعم "الإعلان السياسي" الصادر في نوفمبر/نشرين الثاني 2022 الساعي إلى الحدّ من استخدام هذه الأسلحة في المدن والبلدات المأهولة بالسكان.

أفادت وزارة الصحّة في غزّة أنّ الفترة من 7 أكتوبر/تشرين الأول إلى 25 مارس/آذار شهدت مقتل أكثر من 32 ألف شخص في غزة، منهم أكثر من 13 ألف طفل و9 آلاف امرأة، وإصابة 75 ألفا آخرين. وهذا يشمل مقتل ما لا يقل عن 2,400 شخص في مارس/آذار فقط. هذه الإحصائيات لا تميّز بين المقاتلين والمدنيين.

أفادت صحيفة "هآرتس" في فبراير/شباط أنّ الجيش الإسرائيلي يحقق في "عشرات الحالات" التي ربما تكون فيها قواته قد انتهكت قوانين الحرب. ليس من الواضح ما إذا كان الهجوم على عمارة المهندسين في 31 أكتوبر/تشرين الأول من بين هذه الحالات.

على حلفاء إسرائيل تعليق المساعدات العسكريّة ومبيعات الأسلحة لها طالما أن قواتها ترتكب انتهاكات منهجيّة وواسعة لقوانين الحرب ضدّ المدنيين الفلسطينيين وتفلت من العقاب. الحكومات التي تستمر في توفير الأسلحة للحكومة الإسرائيلية تخاطر بالتواطؤ في جرائم الحرب. كما عليها استخدام نفوذها، بسبل تشمل  العقوبات الموجَّهة، للضغط على السلطات الإسرائيليّة للكف عن ارتكاب انتهاكات جسيمة.

قال سيبمسون: "العدد الهائل للقتلى الفلسطينيين، وأغلبهم من النساء والأطفال، يظهر استهتارا قاتلا بأرواح المدنيين، ويشير إلى احتمال وقوع المزيد من جرائم الحرب التي يجب التحقيق فيها. على الحكومات الأخرى الضغط على الحكومة الإسرائيلية لوقف الهجمات غير القانونية، والتوقف فورا عن نقل الأسلحة إلى إسرائيل لإنقاذ أرواح المدنيين، وتجنب التواطؤ في جرائم الحرب".

للمزيد من التفاصيل عن هجوم عمارة المهندسين وغارات جوية إسرائيلية أخرى، يُرجى مواصلة القراءة أدناه.

الأعمال العدائية بين إسرائيل والفصائل الفلسطينيّة المسلّحة

 صباح 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، اخترق مقاتلون بقيادة حماس السياج الفاصل بين إسرائيل وغزّة، ودخلوا جنوب إسرائيل. هاجموا ما لا يقلّ عن 19 كيبوتس، وثلاثة موشافيم (مجتمعات تعاونية)، ومدينتين، ومهرجانا موسيقيا، وحفلا على الشاطئ، حيث تعمدوا قتل مدنيين، وهاجموا أيضا قواعد عسكريّة. قُتل ما لا يقل عن 1,100 شخص، معظمهم مدنيون، وفقا لمسؤولين إسرائيليين.

احتجز المهاجمون نحو 240 شخصا كرهائن، منهم أطفال وأشخاص ذوو إعاقة ومُسنّون. كما أطلقت حماس وفصائل فلسطينيّة أخرى في غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول آلاف الصواريخ على البلدات والمدن الإسرائيلية، في انتهاك للحظر على الهجمات العشوائيّة على المدنيين والأعيان المدنيّة. تعمُّدُ قتل المدنيين والمقاتلين الأسرى والهجمات الصاروخية العشوائية هي انتهاكات خطيرة لقوانين الحرب وتشكل جرائم حرب.

الأعمال العدائيّة التي بدأت يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، مثل القتال الذي حصل في 2008 و2012 و2014 و2018 و2019 و2021، وقعت وسط الإغلاق الإسرائيلي غير القانوني الشامل لقطاع غزة، الذي بدأ منذ 2007. توصّلت هيومن رايتس ووتش في 2021 إلى أنّ الحُكم القمعي الذي تمارسه الحكومة الإسرائيلية على الفلسطينيين يرقى إلى الجريمتين ضد الإنسانية المتمثلتين في الفصل العنصري والاضطهاد. 

خلال الأعمال العدائية الماضية، نفذّت القوات الإسرائيلية بشكل متكرر غارات جويّة عشوائية قتلت وأصابت الكثير من المدنيين – ما أدّى إلى إبادة عائلات بأكملها – دون وجود أهداف عسكريّة واضحة في الجوار. استهدفت الضربات ودمّرت أبراجا شاهقة في غزة مليئة بالسكان والمؤسسات التجاريّة.

منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، قطعت السلطات الإسرائيليّة الخدمات الأساسيّة عن غزة، بما في ذلك الماء والكهرباء، ما يُشكّل عقابا جماعيا، ومنعت دخول وتوزيع المساعدات المنقذة للحياة، بما في ذلك الغذاء والماء والدواء، وهي أفعال تشكل جرائم حرب. حذّرت "منظمة الصحة العالمية" يوم 31 يناير/كانون الثاني من أنّ سكّان غزة "يموتون جوعا". وثّقت هيومن رايتس ووتش استخدام الحكومة الإسرائيليّة الجوع كسلاح حرب، وهو جريمة حرب.

أفاد الجيش الإسرائيلي أنّه نفذ بين 7 أكتوبر/تشرين الأول و20 فبراير/شباط 31 ألف غارة جويّة على غزة. أصابت الغارات الجوية الإسرائيليّة مبانٍ سكنيّة كبيرة، ومراكز توزيع المساعدات الغذائيّة، ومرافق طبية، ومجمعات سكنيّة للعمال الإنسانيين، ومدارس، وملاجئ، وجامعات، وبُنى تحتيّة للمياه وآبار، وحوّلت أجزاء كبيرة من الأحياء إلى أنقاض، في هجمات غير قانونية مفترضة يجب التحقيق فيها كجرائم حرب محتملة. كما استخدمت القوات الإسرائيليّة الفسفور الأبيض بشكل غير قانوني في غزّة. وثقت "منظمة العفو الدوليّة" أيضا غارات جويّة قتلت مدنيين.

قدّرت الهيئة الأممية الرئيسيّة التي تُعنى بمساعدة الفلسطينيين، "وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى" ("الأنروا")، أنّه تمّ حتى منتصف مارس تهجير حوالي 1.7 مليون شخص في غزة من منازلهم – أي حوالي 75% من سكان القطاع البالغ عددهم 2.3 مليون. أمرت السلطات العسكريّة الإسرائيليّة غالبية سكان غزّة بإخلاء منازلهم، ما يعرّضهم لخطر جريمة الحرب المتمثلة في التهجير القسري.

في 10 أكتوبر/تشرين الأول، أفادت "لجنة التحقيق الدوليّة المستقلّة" التابعة للأمم المتحدة أن هناك "أدلّة واضحة" على وقوع جرائم حرب في إسرائيل وغزّة، وأنها ستُطلع السلطات القضائيّة المختصّة، بما فيها المحكمة الجنائيّة الدوليّة، على هذه المعلومات.

الغارة الجويّة الإسرائيليّة على عمارة المهندسين

حوالي الساعة 2:30 بعد الظهر من يوم 31 أكتوبر/تشرين الأوّل، أصابت غارة جويّة إسرائيليّة استُخدمت فيها أربع قنابل مبنى عمارة المهندسين المكوّن من ستة طوابق فدمّرته، وفقا لشهود. يقع المبنى في منطقة سكنيّة تبعد حوالي 400 متر عن الحدود الجنوبيّة لمخيّم النصيرات للاجئين في وسط قطاع غزّة. لم يجد تحقيق هيومن رايتس ووتش أيّ مؤشر على وجود هدف عسكري في المبنى أو بالقرب منه يوم 31 أكتوبر/تشرين الأول.      

موقع عمارة المهندسين وسط قطاع غزّة. بيانات © أوبن ستريت ماب. الصورة لـ © 2024 إيرباص، غوغل إيرث. غرافيك © 2024 هيومن رايتس ووتش

تحدّثت هيومن رايتس ووتش عبر الهاتف مع 16 شخصا مطّلعين على الهجوم. روى سبعة منهم ما شاهدوه أثناء الهجوم وبعده مباشرة، منهم ناجٍ كان في المبنى، وثلاثة كانوا في منازلهم القريبة وقت الهجوم وفقدوا أقارب فيه، واثنان فقدا أقارب كانوا يعيشون في المبنى لكنهم غادروه قبيل الهجوم، وآخر يعيش في مكان قريب ولم يفقد أيّا من أقاربه. كما تحدّثت هيومن رايتس ووتش مع خمسة أقارب لأشخاص قتلوا وهم يعيشون خارج غزّة. كما أن أربعة أشخاص آخرين يعيشون قرب المبنى لكنهم لم يشاهدوا ما حصل بعد الهجوم، منهم واحد فقد أقارب في الهجوم، قدموا إلى الباحثين أسماء الأشخاص الذين علموا أنهم قتلوا.

موقع عمارة المهندسين وسط قطاع غزّة.     بيانات © أوبن ستريت ماب. الصورة لـ © 2024 إيرباص، غوغل إيرث. غرافيك © 2024 هيومن رايتس ووتش

تأكّدت هيومن رايتس ووتش من أسماء 106 أشخاص قتلوا في الهجوم، واثنين من المصابين، من خلال مقابلات أجريت مع أقاربهم. من بين القتلى 34 امرأة، و18 رجلا، و54 طفلا. ومن بين المصابين طفلة عمرها 17 عاما وامرأة.

103 من القتلى كانوا ينتمون إلى عائلات كانت تقيم في المبنى. أما الثلاثة الآخرون، وهم من عائلتين أخريين، فهم صِبية يعيشون على بعد حوالي 60 متر وكانوا يلعبون كرة القدم في الشارع.

راجعت إيروورز معلومات على وسائل التواصل الاجتماعي وأخرى من مصادر مفتوحة عن الهجوم وتوصّلت إلى أسماء 112 شخصا قتلوا، فضلا عن أسماء 19 آخرين تمّ تحديدهم فقط من خلال علاقتهم بضحايا آخرين في عائلاتهم. ومن بين هؤلاء 42 امرأة، و22 رجلا، و62 طفلا، وخمسة أشخاص ظلّت أعمارهم غير معروفة. كما وجدت المنظمة في مصادر مفتوحة أسماء ستّة أشخاص لمصابين. ينحدر القتلى من 22 عائلة.

هشام جويفل مع ابنته إلهام (15 عاما)، التي قُتلت في الغارة الجوية الإسرائيلية على عمارة المهندسين في 31 أكتوبر/تشرين الأول.  © خاص

حدّدت المنظمتان 96 من القتلى بأسمائهم، بينما حددت إيروورز بمفردها 15 وحدها اسما آخر، وحددت هيومن رايتس ووتش بمفردها تسعة أسماء.

حدّدت المنظمتان معا 136 شخصا قتلوا في الهجوم: 44 امرأة، و22 رجلا، و65 طفلا، وخمسة أشخاص ظلّت أعمارهم غير معروفة. ينحدر هؤلاء من 24 عائلة هي: أبو دقة، عبد الجواد، عبد الرحمن، عبده، أبو جزر، أبو جياب، أبو سعيد، الآغا، علي، دباكي، فرخ، حنفي، عجلة، جويفل، كُحيل، المبحوح، مباشر، القوقا، السدودي، صالحة، شاهين، الشريف، الثوابتة، ويونس.

أفراد عائلة جويفل. (أعلى اليسار إلى اليمين) ندى، ووفاء، وولاء، وسما. (من أسفل اليسار إلى اليمين) فرح، ويوسف، وهشام، وخَضرة، وعلا، وسلمى. قتلت الغارة الجوية الإسرائيلية في 31 أكتوبر/تشرين الأول على عمارة المهندسين وفاء، وولاء، وسما، وفرح، ويوسف، وخضرة، وسلمى.  © خاص

لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من تحديد عدد الجثث التي انتُشلت أو ظلّت تحت الأنقاض. قد يكون الأشخاص الذين لم تُنتشل جثثهم قد نجوا وانتقلوا للعيش في مكان آخر من غزة دون علم عائلاتهم.

عمارة المهندسين: إيواءُ وخدمة المئات

تُظهر صور منشورة على الإنترنت وتمّ التحقق منها لعمارة المهندسين قبل الهجوم مبنًى من ستة طوابق، بمساحة 25 x 25 متر، وبارتفاع يُقدّر بـ20 متر.

عمارة المهندسين قبل الغارة الجوية الإسرائيلية في 31 أكتوبر/تشرين الأول 2023. © 2021 مستخدم عبر فيسبوك​​​​​​​

قال سكّان وآخرون يعرفون المبنى إنّه يتكوّن من 20 شقة تبلغ مساحتها حوالي 150 متر مربع موزعة على خمسة طوابق، كانت مليئة بالناس خلال الأعمال القتالية. في بداية الظهيرة، كان متجر البقالة الصغير في الطابق الأرضي يمتلئ عادة بالأشخاص الذين يريدون شحن هواتفهم هناك بسبب قطع الكهرباء من قبل إسرائيل. كان الدكان يقدّم هذه الخدمة لأنّ المبنى كان مجهّزا بـ 16 لوحا شمسيّا على سطحه تمدّه جزئيا بالتيار الكهربائي. وكان يوجد في الطابق الأرضي أيضا قاعة رياضة، ومتجر دجاج، وصالة ألعاب فيديو.

في حين أن أصل تسمية المبنى غير واضح، إلا أنّه لا توجد روايات تشير إلى أنّ المبنى كان يُستخدم لأغراض هندسيّة. قال أحد السكّان إنّ المبنى اكتسب اسمه من نقابة المهندسين التي شيّدته لأعضائها. وقال آخر إنّ المبنى كان يملكه مكتب استشارات هندسيّة. وقال ثالث إنّ العديد من المهندسين وعائلاتهم الذين كانوا يعيشون في المبنى غادروه، وبقيت فيه ثلاث عائلات معروفة تضم مهندسين، ومع مرور الزمن انتقل إليه أشخاص آخرون.

بناءً على المقابلات ومصادر أخرى، تقدّر هيومن رايتس ووتش أنّه حتى 31 أكتوبر/تشرين الأوّل، كان هناك ما لا يقلّ عن 350 شخصا يقيمون في المبنى، منهم حوالي 125 شخصا كان معلوما أنهم محشورون في خمس شقق فقط. يشمل العدد الإجمالي ما لا يقلّ عن 200 ساكن و150 نازحا، منهم العشرات كانوا يلتجئون في صالة الرياضة. بعض النازحين الذين لجؤوا إلى المبنى كانوا يتبعون توجيهات الجيش الإسرائيلي الصادرة في 13 أكتوبر/تشرين الأول لسكّان شمال غزّة بالتوجه إلى جنوب وادي غزّة، وهي أرض ساحليّة رطبة تقطع غزة من غربها إلى شرقها. وكان بينهم ما لا يقلّ عن 23 فردا من عائلة كبيرة فرّت من مدينة غزّة فقتلوا جميعا في الهجوم: إيمان خالد أبو سعيد، وزوجها، وطفلاهما، ووالداها، وكذلك خمسة من أشقائها و11 من أقاربها الآخرين. حصلت هيومن رايتس ووتش من إسراء أبو سعيد، شقيقة إيمان، على أسماء 23 فردا من العائلة الموسّعة قُتلوا في الهجوم.

من غير الواضح عدد الأشخاص الذين كانوا في المبنى، بما في ذلك الدكان، وقت الهجوم.

شوارع مكتظة بأطفال يلعبون وقت الهجوم

قال الجيران إنّ الشوارع القريبة من عمارة المهندسين كانت تعجّ بالسكّان المحليين قُبيل الهجوم.

قال رامي عبده، الذي يسكن على بعد حوالي 60 متر، إنّه قبل الهجوم بنصف ساعة تقريبا، خرج أحد أبنائه، محمد رامي عبده (11 عاما)، واثنان من أبناء إخوته، محمد حاتم عبده (13 عاما) ومحمد نضال المبحوح (8 أعوام)، للعب كرة القدم مع عشرات الأطفال الآخرين أمام أحد مداخل المبنى. قُتل الأطفال الثلاثة في الهجوم.

قالت إحدى السكّان المحليين إنّ المبنى، قبل الهجوم، كان المكان الوحيد في المنطقة الذي فيه كهرباء، وإنها شاهدت العديد من الناس يشحنون هواتفهم في الدكان.

الهجوم وما بعده مباشرة

كانت أميرة شاهين، وزوجها وابنتها ووالداها، قد فرّوا من منزلهم في قرية المغراقة وسط قطاع غزة قبل الهجوم بيوم، بعد أن أمر الجيش الإسرائيلي السكان بإخلاء المنطقة. انتقلوا للعيش في شقة بالطابق الثالث من عمارة المهندسين تسكنها عمّتها وفاء شاهين، مع أسرتها المكوّنة من أربعة أشخاص وحوالي 15 قريبا آخرين. قالت:

لم يكن هناك ما يدعو إلى القلق على الإطلاق قبل الهجوم. كنا جميعا تقريبا نجلس في غرفتين: واحدة للرجال وأخرى للنساء. كان بعضنا يضحك. كنا قد أعددنا الخبز. لم تكن هناك علامات أو تحذيرات أو أي شعور بالخطر. كنا نشعر بالأمان لأنّه كان مبنى سكنيا مليئا بالمدنيين.

وفجأة، حصل انفجار فبدأنا نصرخ. أذكر أني فكرت أن الانفجار لم يدمّر المبنى. وبعدها كنت أسقط وفقدت وعيي. واستيقظت لاحقا يومها في "مستشفى شهداء الأقصى". كانت لدي كدمات فقط، ولا أذكر كيف استيقظت، لكن أقاربي قالوا لي إنني بدأت أصرخ وأنادي على ابنتي، وأطلب منهم أن يذهبوا لينقذوها رغم أنها كانت هناك جالسة جنبي على فراش المستشفى.

قالت أميرة إنّ الهجوم قتل 20 من أقاربها، هم ست نساء، وسبعة رجال، وسبعة أطفال. قال حاتم عبده، الذي كان يسكن على بعد 60 متر من المبنى، إنه رأى ابنه محمد (13 عاما) آخر مرة قبل ساعة من الهجوم عندما خرج من المنزل:

كان محمد دائما يلعب كرة القدم في الشارع القريب مع أبناء عمومته وأطفال آخرين. وعند الساعة 2:30 بعد الظهر تقريبا، كنت آخذ قيلولة في المنزل، وفجأة حصلت أربعة انفجارات، بفارق ثانيتين أو ثلاثة بينها تقريبا. بعد الانفجار الأول، استيقظتُ ونظرت من النافذة.

رأيت حوالي 50 طفلا وبعض الشباب في الشارع قرب الجانب الجنوبي من عمارة المهندسين. رأيت أنّ الجانب الشمالي قد أصيب. وبعدها مباشرة، أصابت القنبلة الثانية الجانب الجنوبي، الذي كان يمكنني رؤيته بوضوح من منزلي. رأيت حطاما من المبنى يتساقط ويحاصر حوالي 20 من الأطفال، بالإضافة إلى بعض البالغين.

وبعد ذلك أصابت القنبلة الثالثة سطح المبنى، في الوسط تماما، فانهار بالكامل، متسببا بسحابة سوداء كبيرة من الدخان والغبار. كانت رائحتها كالبارود. ثم سقطت القنبلة الرابعة، التي لم أرَها بسبب الغبار والدخان.

شقيق حاتم، رامي عبده، الذي يعيش مع عائلته في الشقة الواقعة تحت شقة حاتم، كان في المنزل أيضا وقت الهجوم، وقال إنّ ابنه كان يلعب كرة القدم مع أبناء عمومته وأطفال آخرين في الخارج. قال إنه سمع أربعة انفجارات "حصلت في نفس الوقت تقريبا" وإنّ زجاج وحطام المنزل الذي يسكنونه أصابا ابنتيه بجروح وهما في غرفة المعيشة.

قالت امرأة أخرى كانت تسكن على مسافة 30 متر تقريبا إنها سمعت "ثلاث أو أربع قنابل مدوية تنفجر".

خرج كلّ من رامي وحاتم عبدو من المبنى بعد لحظات من الهجوم بحثا عن الصِبية من عائلتيهما. قال رامي إنه، حين وصلا إلى الشارع المقابل للمبنى المدمّر، شاهد "حوالي 20 جثة محترقة" في الشارع، منها جثث ثلاثة أطفال عرف أنهم من عائلة أبو رحمة، التي كانت تسكن في المبنى. قال حاتم إنه رأى "عشرات الجثث في الشارع"، بعضها قرب أو تحت أنقاض المبنى المجاور للمكان الذين كان يقف فيه، وأخرى على بعد عشرات الأمتار.

وجد الرجلان ابن أختهما محمد نضال المبحوح (8 سنوات) على قيد الحياة، لكنه كان محترقا بشدة، فأخذوه إلى سيارة إسعاف نقلته إلى مستشفى شهداء الأقصى في دير البلح. توفي بعد ثمانية أسابيع تقريبا. وبعدها وجدوا ابن رامي، محمد رامي عبده (11 عاما)، تحت قضبان خرسانية وسط أنقاض المبنى. رغم أن الرجلين قالا إنهما أخرجاه بسرعة، إلا أنّه توفي في سيارة إسعاف بعد وقت قصير.

ثم بحث الرجلان عن ابن حاتم، محمد حاتم عبده (13 عاما)، لكنهما لم يجداه. وهما يبحثان عنه، ساعدا في نقل القتلى إلى سيارات الاسعاف التي كانت تنتظر هناك. قدّر حاتم أنه ساعد في نقل حوالي 60 جثة، أغلبها لأطفال ونساء، معظمهم وُجدوا على الجانب الجنوبي للمبنى، بما في ذلك بعض الجثث التي انتُشلت من تحت الأنقاض في الشارع. لاحقا، أخبر المسعفون حاتم أنّ ابنه وُجد ميتا في الشارع، على بعد 100 متر تقريبا من المبنى.

كانت ناهد محمود تسكن بالقرب من عمارة المهندسين بعد أن هربت من منزلها. فقدت ستّة من بنات إخوانها، وابن أخيها، وحماتها في الهجوم. أصيبت أختها عُلا محمود جويفل (39 عاما) وابنتها الوحيدة الباقية على قيد الحياة، ندى هشام جويفل (17 عاما)، اللتان انتقلتا إلى شقة في الطابق الرابع من عمارة المهندسين في يوليو/تموز 2023، واحتاجت ندى إلى أكثر من 10 عمليات في إحدى ساقيها. ما إن وقع الانفجار الثالث والرابع وصار واضحا أنّ الهجوم انتهى، جرت ناهد نحو المبنى بحثا عن أختها وأطفالها:

كنت أصيح وأصرخ، وكذلك كان الجميع. امتلأت المنطقة فورا بالناس والصحفيين والدفاع المدني [هيئة تقدّم خدمات الطوارئ والإنقاذ]، فلم نتمكن من الوصول إلى المبنى. كان الوضع فظيعا. كان الناس يحاولون إخراج العالقين تحت الأنقاض باستخدام أي شيء في وسعهم.

بعد بعض الوقت، أخبرني أحدهم أنهم وجدوا أختي عُلا تحت الأنقاض، واستغرق الأمر أربع ساعات تقريبا بعد الهجوم ليُخرجوها. كان لديها كسور في الحوض والعمود الفقري وعظمة الترقوة، وكان جسدها كله أسود وأزرق [من الكدمات] بسبب الركام. ثم قالوا إنهم وجدوا ابنتها، ابنة أختي، ندى. كان الجزء العلوي من جسمها مرئيا، لكن الجزء السفلي كان مسحوقا تحت الأنقاض. كانت إحدى ساقيها مفتوحة من الأعلى إلى الأسفل، ودمها في كل مكان. كانت تشعر بآلام شديدة، وهي تصيح وتصرخ، بينما كانت ساقها الأخرى تنتفخ أكثر فأكثر. ظلّت كذلك حتى تم إخراجها الساعة 11 ليلا تقريبا.

أشخاص يحاولون إنقاذ ندى هشام جويفل البالغة من العمر 17 عاما، العالقة تحت أنقاض عمارة المهندسين، في 31 أكتوبر/تشرين الأول 2023. أصيبت لكنها نجت من الهجوم. © 2023 محمد دحمان/أ ب فوتو

تحدّثت هيومن رايتس ووتش مع كرم الشريف، وهو موظف في الأونروا، الذي فقد خمسة من أولاده وخمسة أقارب آخرين في الهجوم. تُظهر ثلاث صور التقطها مصوّر تابع لـ"أسوشيتد برس" يوم 31 أكتوبر/تشرين الأول في المبنى المدمّر الشريف واقفا وسط الأنقاض يوم 31 أكتوبر/تشرين الأول يحمل أحد ولديه التوأم البالغين من العمر 18 شهرا اللذين قتلا. نشرت أسوشيتد برس أيضا تقارير عن أربعة من الأطفال الخمسة الذين قتلوا.

تُظهر 35 صورة فوتوغرافية و45 فيديو نُشرت على مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام وتحققت منها هيومن رايتس ووتش العديد من الضحايا والناجين، وتظهر أيضا عمارة المهندسين التي تحولت إلى ركام، مع وجود كمية كبيرة من الركام على الجانب الشمالي الشرقي والجنوبي الشرقي والجنوبي الغربي للمبنى. طابقت هيومن رايتس ووتش بين المباني القريبة والأشجار والطرقات التي تظهر في اللقطات مع صور الأقمار الصناعيّة للتأكد من أنها تُظهر المبنى الذي تمت مهاجمته. كما تحققت هيومن رايتس ووتش من فيديو جوّي يُظهر المبنى وقد سُوي بالأرض بالكامل. تُظهر صورة نُشرت على فيسبوك يوم 31 أكتوبر/تشرين الأول، التُقطت من شارع صلاح الدين، على مسافة 225 متر تقريبا إلى جنوب شرق المبنى، عمودين كبيرين من الدخان يتصاعدان من موقع عمارة المهندسين.

صورة جوية لفرق "الدفاع المدني" في غزة والسكان أثناء إطلاق عملية بحث وإنقاذ بعد الغارة الإسرائيلية على عمارة المهندسين في 31 أكتوبر/تشرين الأول 2023. © 2023 محمد فايق/الأناضول عبر غيتي إيمجز

لا تُظهر صور من الأقمار الصناعيّة التُقطت عند الساعة 10:23 صباحا بالتوقيت المحلّي يوم 31 أكتوبر/تشرين الأول أي علامات على حدوث أضرار، بينما تُظهر صور التُقطت الساعة 10:18 صباحا بالتوقيت المحلّي يوم 1 نوفمبر/تشرين الثاني المبنى مُدمّرا.

تُظهر صور بالأقمار الصناعية التُقطت يوم 1 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 كومة كبيرة من الأنقاض حيث كانت توجد عمارة المهندسين، وكذلك أضرارا لحقت بمبان مجاورة. صورة © 2024 Planet Labs PBC؛ تحليل وغرافيك © 2024 هيومن رايتس ووتش

توصّلت هيومن رايتس ووتش إلى أنّ المبنى تعرّض على الأرجح لضربات مباشرة بأربع قنابل ألقيت من الجو. لم تجد هيومن رايتس ووتش أي أدلّة على وجود بقايا في ساحة الهجوم قد تساعد في تحديد نوع السلاح في مكان الهجوم. لكن الضرر الناتج عن الانفجار وانهيار المبنى الناجم عنه يتوافقان مع حمولة متفجرة كبيرة لذخائر ملقاة جوا. تحدث شهود عن أربع قنابل أصابت المبنى في تتابع سريع، فتسببت في هدمه. وهذا متوافق مع عمليات استهداف وهدم لمنازل نفذها الجيش الإسرائيلي سابقا باستخدام ذخائر كبيرة تُلقى من الجو.

عدم وجود هدف عسكري معلوم

جميع من قابلتهم هيومن رايتس ووتش والذين يعرفون المبنى جيدا قالوا إنهم لم يكونوا على علم بوجود مقاتلين فلسطينيين أو معدّات عسكريّة في المبنى أو بالقرب منه وقت الهجوم. كما أنّ تحليل هيومن رايتس ووتش لـ80 صورة وفيديو، وصور الأقمار الصناعيّة للمبنى والمنطقة المجاورة، لم يوفر أي مؤشر على وجود فصائل فلسطينية مسلحة أو معدّات عسكريّة في المبنى أو بالقرب منه وقت الهجوم.

قال جميع الذين قابلناهم إنهم لا يعرفون أيّ ضحايا أو ناجين من الهجوم مرتبطين بأي جماعات مسلّحة. لم تجد هيومن رايتس ووتش أدلّة على أنّ أيّا من الضحايا كان مقاتلا. راجعت هيومن رايتس ووتش قنوات "تلغرام" وقنوات التواصل الاجتماعي الأخرى لكل من "كتائب عزالدين القسّام"، الجناح العسكري لـ حماس، و"سرايا القدس"، الجناح العسكري لـ "الجهاد الإسلامي"، وهما من أهم الفصائل المشاركة في هجمات 7 أكتوبر/تشرين في إسرائيل. لم تذكر أيّ منها غارة 31 أكتوبر/تشرين الأول.

لم يقدّم الجيش الإسرائيلي أي معلومات من شأنها أن تُثبت وجود هدف عسكري أو أي هدف آخر داخل المبنى أو بالقرب منه. كما أنّ الجيش لم يذكر الظروف التي لم تسمح بتقديم تحذير مسبق وفعّال لسكان المبنى والمباني المجاورة لإخلاء المكان قبل الهجوم.

في 6 فبراير/شباط، أفادت هآرتس أنّ الجيش الإسرائيلي بدأ التحقيق في "عشرات الحالات" التي ربما تكون فيها قواته قد انتهكت قوانين الحرب، وتشمل غارة جويّة شُنّت يوم 31 أكتوبر/تشرين الأول الساعة 3:30 ظهرا تقريبا، بعد حوالي ساعة من هجوم عمارة المهندسين، قال الجيش الإسرائيلي إنها كانت تستهدف قائد "كتيبة جباليا" في حماس، إبراهيم البياري. بحسب إيروورز، أدّى الهجوم الذي استهدف مخيّم اللاجئين في جباليا، على بعد حوالي 14 كيلومتر شمال عمارة المهندسين، إلى مقتل البياري وما لا يقلّ عن 126 مدنيا، منهم 69 طفلا، وإصابة 280 آخرين.

انتشال الجثث ودفنها

قابلت هيومن رايتس ووتش ثلاثة أشخاص شاركوا في انتشال الجثث من تحت ركام عمارة المهندسين.

قال حاتم عبده ورامي عبده إنهما ساعدا في انتشال ما بين 60 و70 جثة بعد ظهر 31 أكتوبر/تشرين الأول، وانهما انتشلا حوالي 80 جثة أخرى في الأيام الأربعة التالية. قال حاتم عبده إنّ العديد منها تُركت في الشارع أمام منزله إلى أن تمّ نقلها. قال إنّ أقارب المفقودين وآخرين جمعوا المال لشراء الوقود للحفارة، التي جاءت يوم 1 نوفمبر/تشرين الثاني، وتمكّنت من العمل من ثلاث إلى أربع ساعات يوميا لإزالة الركام.

قال حاتم إنّه سمع من أشخاص آخرين، بعد توقف الحفارة عن العمل، إنّ 56 شخصا ما زالوا في عداد المفقودين. قال: "اختفوا".

فرّ مجدي صالحة من منزله القريب في منتصف أكتوبر/تشرين الأول، بعد أن كاد هجوم أن يصيب مبناه، وانتقل مع عائلته إلى شقة صهره في عمارة المهندسين. وكان قد غادر المبنى قبل دقائق من الهجوم، الذي قتل فيه 16 من أقاربه: زوجته وخمسة من بناتهما، وشقيق زوجته، وزوجة شقيق زوجته، وخمسة من أطفالهما، وشقيقة زوجته، واثنان من أطفالها. قال.

قبل أن أغادر الشقة لشراء الخبز، أعطيت ابنتي الصغرى لانا، التي كان عمرها 10 سنوات، بعض المال لتذهب بعد الغداء وتشتري أشياء من الدكان في الطابق الأرضي للمبنى. قال لي أحدهم لاحقا إنها ذهبت إلى الدكان قبل الهجوم مباشرة.

لمدّة 12 يوما، ساعدت في انتشال الجثث من تحت الأنقاض. وساهمت بمالي الخاص لشراء الوقود للحفارة. وجدنا جميع جثث أفراد عائلتي تقريبا بعد خمس وست وحتى سبع أيام من الهجوم. لكن لم نجد جثة لانا تحت الركام إلا في اليوم العاشر. أظنّ أن جثثا أخرى ظلّت تحت الأنقاض بعد أن توقفت الحفارة عن العمل.

قال شخص آخر إنّه سمع أن الأشخاص الذين ينتشلون الجثث لم يتمكنوا من انتشال جثث الناس الذين كانوا في الطوابق السفلية من المبنى، فأصبح المبنى "مقبرة".

تُظهر صور الأقمار الصناعيّة أن إزالة الأنقاض توقفت بين 7 و11 نوفمبر/تشرين الثاني. كميّة الركام التي تظهر في صور التُقطت يوم 11 نوفمبر/تشرين الثاني تبدو نفسها في صور التُقطت في 12 مارس/آذار 2024.

قال بعض الذين أجريت معهم مقابلات إنهم نقلوا جثث أقاربهم إلى مستشفى شهداء الأقصى في دير البلح، أو وجدوها هناك، على بعد حوالي أربعة كيلومترات جنوب غرب المبنى. قال أحد الرجال الذين انتشلوا الجثث إنّ جميع الجثث التي انتُشلت من عمارة المهندسين أو بالقرب منه نُقلت إلى مستشفى شهداء الأقصى لتحديد هويتها وتسجيلها قبل دفنها. لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من الحصول على قائمة الذين قتلوا في الهجوم وسُجلوا في المستشفى.

أفادت تقارير تلفزيونيّة من مستشفى شهداء الأقصى يوم 31 أكتوبر/تشرين الأول: "ما زالت حتى هذه اللحظة سيارات الاسعاف تنقل بين الفينة والأخرى بعض الإصابات التي يسهل على طواقم الاسعاف والدفاع المدني انتشالها ونقلها [إلى المستشفى]" وإنّ مجموعة أولى من سيارات الاسعاف نقلت 45 ضحيّة إلى المستشفى.

قال رجل إنّه سمع أنّ الضحايا الذين أصيبوا بجروح خطيرة نُقلوا إلى "المستشفى الأوروبي" في خان يونس. قال خمسة أشخاص إنّ أقاربهم دُفنوا في أماكن مختلفة في مخيم النصيرات، ومخيم البريج، وبلدة الزوايدة، ومقبرة المغازي. قال مجدي صالحة إنه حضر بين 1 و13 نوفمبر/تشرين الثاني دفن 100 شخص قتلوا في الهجوم على عمارة المهندسين في مقبرة المغازي.

تحققت هيومن رايتس ووتش من 12 فيديو وصورة نُشرت على منصات التواصل الاجتماعي تُظهر انتشال ست جثث، منها طفلان وامرأة مسنّة، من تحت أنقاض عمارة المهندسين، وخمس جثث على نقالات أثناء إخراجها من المبنى، وجثتَي طفلين تُنقلان إلى المستشفى بعد الهجوم. كما تظهر في الصورة امرأة مسنّة ميتة أو فاقدة الوعي على نقالة.

يُظهر فيديو آخر، صوّره الصحفي معتز العزايزة ونُشر على "إنستغرام" يوم 31 أكتوبر/تشرين الأول، ما بدا أنّه جثة صغيرة محترقة ملفوفة بملاءة. يروي العزايزة إنّ جثة طفل انتُشلت من الطابق الثاني لمبنى مجاور لعمارة المهندسين. وتنتقل الكاميرا إلى غرفة النوم في ذلك المبنى فتُظهر سرير طفل على شكل سيارة سباق مغطًى جزئيا بالركام.

تحققت هيومن رايتس ووتش من ثلاثة فيديوهات وصورة واحدة تُظهر نتيجة عمليّة قيصريّة أجريت في مستشفى شهداء الأقصى لإحدى الضحايا المتوفيات في محاولة فاشلة لإنقاذ الطفل. كما تحققت هيومن رايتس ووتش من ثمانية فيديوهات تُظهر إنقاذ سبعة مصابين، منهم أربعة أطفال وامرأة، من عمارة المهندسين.

مبادرات المحاسبة

في 27 مايو/أيار2021، أنشأ "مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة" لجنة تحقيق لمعالجة الانتهاكات والتجاوزات في الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة وإسرائيل. وفي 10 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أعلنت اللجنة أنها تحقق في "الجرائم الدولية المحتملة وانتهاكات القانون الدولي لحقوق الإنسان المرتكبة في إسرائيل والأرض الفلسطينية المحتلة" منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وأنها مستمرّة "في تبادل المعلومات التي يتم جمعها من السلطات القضائيّة ذات الصلة، وخاصة مع المحكمة الجنائيّة الدوليّة".

كما أكّد المدّعي العام للمحكمة الجنائيّة الدولية كريم خان أنّ مكتبه يُجري منذ مارس/آذار 2021 تحقيقا في جرائم الفظائع المزعومة المرتكبة في غزّة والضفة الغربيّة منذ 2014، وأنّ مكتبه له ولاية قضائيّة على الجرائم المرتكبة في الأعمال العدائيّة الحاليّة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينيّة المسلّحة وتشمل السلوك غير القانوني لجميع الأطراف. زار خان إسرائيل وفلسطين في ديسمبر/كانون الأول.

على الحكومات أن تعرب علنا عن دعمها المحكمة الجنائيّة الدوليّة في إحقاق عدالة محايدة، بما يشمل تحقيقها في الوضع في فلسطين، والالتزام بتوفير الدعم السياسي والدبلوماسي والمالي الذي تحتاج إليه المحكمة الجنائية الدولية لتنفيذ ولايتها العالميّة.

وبشكل منفصل، أقرّت المحكمة الجنائية الدولية يوم 26 يناير/كانون الثاني إجراءات مؤقتة في إطار قضيّة رفعتها جنوب أفريقيا ادعت فيها أنّ إسرائيل تنتهك "اتفاقيّة الإبادة الجماعيّة". اعتمدت المحكمة إجراءات شملت مطالبة إسرائيل بمنع الإبادة الجماعيّة ضدّ الفلسطينيين في غزّة، والسماح بتوفير الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانيّة، ومنع ومعاقبة التحريض على الإبادة الجماعيّة. وجدت هيومن رايتس ووتش أنّ إسرائيل لم تمتثل لواحد على الأقل من أوامر المحكمة الملزمة من خلال الاستمرار في عرقلة الخدمات الأساسية ودخول وتوزيع الوقود والمساعدات المنقذة للحياة إلى غزة.

على السلطات القضائيّة الوطنيّة أيضا التحقيق مع المتورطين في جرائم خطيرة في الأراضي الفلسطينيّة المحتلة ومحاكمتهم بموجب مبدأ الولاية العالميّة وبما يتماشى مع القوانين الوطنية. على الحكومات فرض عقوبات فرديّة، مثل حظر السفر وتجميد الأصول، على المسؤولين والأفراد المتورطين بشكل موثوق في ارتكاب انتهاكات خطيرة.

على الأمين العام للأمم المتحدة أيضا إدراج إسرائيل في قائمة المتورطين في انتهاكات خطيرة لحقوق الطفل، الملحقة بتقريره السنوي لعام 2024 إلى "مجلس الأمن" بشأن الأطفال والنزاع المسلّح بسبب الانتهاكات التي شملت القتل والتشويه.

نقل الأسلحة

أصدر العديد من المقرّرين الخاصين، والخبراء المستقلين، والفرق العاملة في الأمم المتحدة بيانا يوم 23 فبراير/شباط قالوا فيه إنّ نقل أسلحة وذخائر ستُستخدم في غزة إلى إسرائيل هو على الأرجح انتهاك للقانون الإنساني الدولي ويجب أن يتوقف فورا. توفير الأسلحة مع العلم أنها ستساهم بشكل كبير في هجمات غير قانونية قد يجعل مقدمّيها متواطئين في جرائم حرب.

في 11 فبراير/شباط، أمرت "محكمة الاستئناف الهولندية" بلادها بوقف تصدير قطع غيار طائرات مقاتلة من طراز "إف-35" (F-35) إلى إسرائيل، نظرا للخطر الواضح لإمكانية استخدامها في ارتكاب انتهاكات جسيمة للقانون الإنساني الدولي في غزة. استأنفت الحكومة الهولندية هذا القرار. قالت وزيرة الخارجية الكنديّة في 20 مارس/آذار إنّ كندا ستستمر في تجميد تصاريح تصدير الأسلحة إلى إسرائيل، بعد إقرار قرار غير ملزم في "مجلس العموم" يدعو إلى "وقف المزيد من تراخيص نقل صادرات الأسلحة إلى إسرائيل لضمان الامتثال لنظام تصدير الأسلحة الكندي".

أصدرت إدارة بايدن مذكرة للأمن القومي في فبراير/شباط نصّت على أنّ وزارتَي الخارجية والدفاع الأمريكيتين ستحصلان على ضمانات مكتوبة من الدول التي تتلقى مساعدات عسكريّة أمريكيّة بأن تستخدم "معدات الدفاع" الأمريكيّة المنشأ بما يتماشى مع القانون الدولي، وأنها لم تعرقل أو تؤخر بشكل تعسفي المساعدات الإنسانية التي تمولها أو تدعمها الولايات المتحدة في 2023. لكن بناء على ملاحظاتها وتحليلاتها في غزة، خلصت هيومن رايتس ووتش و"أوكسفام" إلى أنّ أيّ تطمينات يقدّمها المسؤولون الإسرائيليون باستخدام الأسلحة الأمريكية بما يتماشى مع القانون الدولي والأمريكي ليست ذات مصداقيّة.

في 13 فبراير/شباط، قالت وزارة الخارجية الأمريكية إنها تستخدم الإجراءات المعمول بها في ما يتعلق باستخدام الأسلحة التي توفرها الولايات المتحدة للتحقيق في الأضرار التي لحقت بالمدنيين الناجمة عن عدّة هجمات إسرائيلية في غزة لكنها لا تستطيع التعليق على حالات محدّدة قيد المراجعة.

واصلت الولايات المتحدة، وبريطانيا، وأستراليا، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، والدنمارك ودول أخرى مد إسرائيل بأسلحة ومساعدات أمنيّة أخرى بشكل غير مشروط. من خلال منح تراخيص التصدير لإسرائيل، بما في ذلك الأسلحة التي يُرجّح أن يستخدمها الجيش الإسرائيلي لانتهاك قوانين الحرب، تتجاهل هذه الحكومات الأدلّة المتزايدة على الانتهاكات الجسيمة، بما في ذلك الغارة على عمارة المهندسين.

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة