مع السورية مرح البقاعي
السورية مرح البقاعي
على قائمة الشخصيات الأبرز في واشنطن
"المعارضة النفعية هي أخطر من الموالاة ومن التسّلط نفسه"
مرح البقاعي
هاني نديم ـ بانوراما عربية
"نصّي قميص عثمان"
أتابعها منذ أن بدأت تكتب نصوصاً شعرية وتترجم مختارات أدبية من الفرنسية والانكليزية تنشرها في المنابر العربية، كان جهدها وجديتها ما ميّز تلك المرحلة التي امتدت عبر إنتاجها الشعري الخاص واللافت، حيث أصدرت مجموعات شعرية هي: "الهروب إليه، وجه النار الآخر، ماء ولغة، جولييت تنهض من قبرها– ومؤخراً أصدرت ديواناً باللغة الإنكليزية بعنوان (0). ولها مجموعتان قيد النشر هما: تمر، ومجموعة وأفئدتهم هواء.
الشعر الجاد والبحثي، قاد البقاعي نحو الإعلام والصحافة، لتخوض في السياسة والاجتماع والفكر، فأسّست مجلة "هاي" بالتعاون مع مبادرة الشراكة الشرق الأوسطية في واشنطن، كخطوةٍ أولى في تفعيل الحوار الثقافي بين الشعوب.
عملت البقاعي أستاذة لمادة الإسلام المعاصر في جامعة جورجتاون (قسم الدراسات المستمرة)، إلى جانب عملها الحالي كمستشارة ثقافية وإعلامية في المنظمة الدولية Vital Voices في واشنطن . طوّرت البقاعي برنامجاً لتعليم اللغة العربية في جامعة ميريلاند عن طريق تدريس مواد مستقاة من الثقافة والفنون و الشؤون السياسة العربية.
البقاعي عضو منتَخَب في اتحاد الكتاب العرب، وعضو في جمعية المترجمين الأميركيين، وتمّ اختيارها مؤخرا ضمن قائمة أفضل أساتذة مادة الشرق الأوسط في الجامعات الأميركية حسب منظمة كامبس واتش (Campus Watch) . هي عضو فخري بمنصب مستشارة إعلامية في مشروع منبر الحرية ، الجناح العربي لمؤسسة كيتو في واشنطن وهي من اللجنة الأكاديمية المؤسسة لمشروع الجامعة الصيفية لمنبر الحرية.
مؤخراً تم اختيار مرح البقاعي من قبل ناشر كتاب أفضل معالم العاصمة واشنطن "BEST OF DC" لتتقدم صفحة "المشاهير والشخصيات الأبرز" في العاصمة الأميركية ضمن الكتاب الموسوعي، الإنجاز الذي ما هو إلا محصلة طبيعية لجهدها الدؤوب والمستمر عبر ربع قرنٍ من الإبداع.
الناشر شرح اختياره للبقاعي "لإنجازاتها اللافتة في مجال البحث الأكاديمي والثقافي والإعلامي، وتقديرا للدور الذي لعبته، من خلال المناصب العديدة التي شغلتها، في مد جسور الحوار، على المستويين الثقافي والمعرفي، بين الولايات المتحدة من جهة، والعالم العربي والإسلامي من جهة أخرى".
جريدة الأخبار، كان لها شرف محاورة مرح البقاعي التي نفتخر بها جميعاً كعرب كأول حوار صحفي بعد نيلها هذا التكريم. وكان هذا الحوار:
* نحو مدخلٍ لمرح البقاعي، من أنت، وكيف علي أن أقدمك؟
أنا قد أكون تلك الأنثى التي عبرت المحيط ذات صباح بحثا عن أكسجين الفرح؛ الأنثى المحفوفة بالسفر، المسكونة بدهشة الاقتراب؛ الأنثى الجَيداء بالفطرة، حمّالة ضوضاء المسرّة؛ الأنثى التي تسير حافية على البلّور المكسور فيستطيل رمشاها من لذة الألم،؛ الأنثى المضيئة كسمك الأعماق، النافرة كأيقونة المعابد؛ الأنثى التي لا يرجّّ حليب دماغها إلا كهرباء محي الدين بن عربيّ ولا يحاكي غرائزها إلا توت بودلير االبرّي؛ الأنثى التي لا يعتريها ندم ولا يمسسها تعب؛ الأنثى التي تهزّ سرير القصيدة بيد وتضرم نار الانتفاضات باليد الأخرى؛ الأنثى التي تفرش سرّها سجادة للعدم لتجمع شرانق الغواية؛ الأنثى المشدودة كزوبعة والمقطّرة من بخار فجر البحيرات ...
مرح قد تكون كل تلك الأنثوات.. وقد تكون لا أحد!
* بدأت بالشعر وانتقل بك الحال إلى العمل في الشأن العام والمنظمات الإنسانية، كيف تمّ الأمر؟
من قال أن الشعر ينفصل عن الحياة العامة؟ هو برأيي في صميمها الأخلاقي، أو ليس الشعر جمالا، والعلاقات البشرية إنما تسمو بالجمال؟! أنا أرى أن هذا التدرج هو تصاعد منطقي وتراكم معرفي وتحصيلي لتجربتي الحياتية والمهنية التي ابتدأت بالشعر؛ الشعر الذي هو أول الخيط وآخره، منطلق ومحصلة الإرهاصات الإنسانية مجتمعة ـ بأبعادها السياسية والاجتماعية والأنتروبولوجية كافة.
* هل تلك الانعطافات تعني أن مشروعك الشعري توقف، هل تقف إنجازاتك الاجتماعية بوجه نصك؟
ـ لا يوقف في وجه نصّي سوى نصّي! النص عندي تحدٍٍّ مستمر، والشعر هو هذا السكّين الذي نقشّر به تفاحة الصباح مرة ونغمده في صدر النهار مرات. هو أصبعي أغمسه في دم الوقت لأكتبَهُ وردةً على وجه الغيم. هو نوستالجيا الأمكنة التي هربت من موطن الرأس. إنه قلبي المقسوم إلى شطرين: فالأول للغمز، والآخر للبلبلة.
* لماذا أميركا، لماذا كانت قرارك، ..وماذا قدمت لك وماذا أخذت منك؟
وصولي إلى أميركا مصادفة عاطفية بحتة. وصلت عن طريق القلب .. الحب .. الزواج..! ثم انقلب السحر على الساحر: قتلتُ الحب.. أنهيتُ الزواج.. أبقيتُ المدينة! وكان علي التعامل مع الجغرافيا الجديدة بلا قلب! أميركا أعطتني مرح وأخذت مني قلبَها!
قد تستغرب إذا قلت لك أني أريد أن أستمر بالعيش هنا ليس لكون هذه البلاد ضمنت لي حق وحرية الاختيار حيّة وحسب، بل وميتة أيضا. فأنا كما اخترت مهنتي، وتشكيلة حياتي الاجتماعية، وتوجهاتي وانتماءاتي السياسية هنا، بإرادة محضة لا يحكمها سوى الحرية المسؤولة، فقد اخترت شكل موتي أيضا . فأنا من أصحاب طريقة حرق الجثة Cremation، إثر الموت، وهذه البلاد الطافحة بالخيارات، تؤمن حرية اختيار الفرد لطريقة الانتقال من هذا العالم إلى عوالم أخرى، وأنا تخيّرت "صراط النار" لموتي، تماما كما اصطفيته نهجا لحياتي. وإذا سألتني عن قبري، فقد اخترته على الانترنت، وهو هرم أسود يوضع فيه رمادي إثر احتراق كامل. وإليك الرابط لمن يريد أن يطلّع على هذا القبر الاستثنائي:
http://www.perfectmemorials.com/dominion-pyramid-cremation-urn-p-136.html
* هل انتزعت الاعتراف منها قسراً أم كانت حيادية في التعاطي معك؟
ـ أنا امرأة أعمل ما يقارب 16 ساعة في اليوم، وأميركا مكان محايد وأرضية خصبة للنجاح. لا قسر في أميركا، كلٌّ كتابه بيده، له ما له وعليه ما عليه؛ ولا سقف في أميركا لأي فعل، الكسل والانكفاء فقط هما السقف في هذه البلاد. أنا قدّمت لأميركا كلمتي وخبرتي ومهنيّتي وهي بادلتني حرية القول والحركة والفعل.
* ماذا يعني لمرح البقاعي أن تكون في قائمة الشخصيات الأكثر شهرةً في واشنطن اليوم؟
يعني ببساطة أن عليّ أن أطوّر نفسي ومعارفي أكثر وأكثر! إنها مسؤولية، فأنا لم يتم اختياري من بين عشرات من الشخصيات التي قام الناشر بمحاورتها لجمال أو مال أو منصب، بل كان ـ كما أشار الناشر ماثيو ديفيس في مقدمة الكتاب عن الحافز وراء اختياري ـ "على أساس العمل المتصل الذي حققته مرح البقاعي في مساعيها الحثيثة لمدّ جسور التفاهم بين العالم الإسلامي الشرق أوسطي الذي جاءت منه وبين الوطن الذي اختارت العيش والإقامة والعمل فيه الولايات المتحدة الأميركية".
* سوريا بلدك الأم ..علاقتك بها معقدة نوعاً ما، وأنت غير متصالحة معها، كيف ذلك؟
ـ لا أعرف كيف توصلت إلى هذه الخلاصة "غير متصالحة" مع سوريا. أنا لا أختلف مع أشخاص أو أنظمة جزافا. أنا أرفض الحالات الشاذة سياسيا واجتماعيا وفكريا، وأنقدها بشدة وبلا هوادة. ومن هذا المنطلق قد أكون ناقدة لاذعة لسياسات بعينها، لكن هذا يقع في قمة المصالحة مع الوطن الأول، وفي هذه الحالة هو سوريا. وأنا مستقلة، لم أنتسب يوما إلى فئة أو منظمة أو حزب سياسي، ما عدا الحزب الجمهوري الأميركي، الذي أنا في جناح الوسط المعتدل منه. استقلاليتي هذه جعلتني أدافع عن المصلحة العامة للمواطن السوري وحسب، وليس عن مكاسب تحققها جهة بعينها أو من أجل مآرب ومصالح شخصية. لا مصلحة لي "في" سوريا، مصلحتي هي: سوريا، بشعبها وأمنها، وحسب.
* لست معارضة سورية، بل تصفين نفسك أنك إصلاحية، هل يمكنك توضيح ذلك؟
ـ أنا أرى أن "النفعية السياسية" آفة تلحق بالمعارضة والموالاة في آن، وأرى أن المعارضة النفعية هي أخطر من الموالاة والتسلّط نفسه. أما الإصلاحيون أو "التنويريون" كما أحب أن أطلق عليهم، فهم هؤلاء النخب السورية المنفرطة كعقد العقيق في العالم وآن لها أن تعود لتشارك في عملية البناء والتنمية. النخب السورية في الخارج هي منتجة وفاعلة، يشارك أفرادها بحيوية إبداعية في المعارف الكونية التي تضخها مركزية الحضارة الغربية الحديثة، وهي أصلا تضفي بذلك حضورا مكمّلا على معارفها المتحركة وذلك بالمشاركة في معترك أنساقها ومناهجها وبتشريحها ونقدها، ثم بإعادة إنتاجها، وبشكل مستقل ومتكامل، مع ما يجري في المحيط الأول، وفي العالم.
يبقى أن يمد المثقف السوري المقيم في الخارج، من مجموعات النخب هذه، أن يمدّ نفوذه الحر والحيوي إلى داخل مجتمعه الكبير ليسهم في عملية التغيير، ذلك أن الثقافة التي لا تكون مرتبطة بمساقطها تصبح عائمة أيضا، حتى في دائرة محيطها المباشر، فكيف بالمحيط البعيد عنها؟
* كوني سوري، على أن أوضح موقفي، واطلب منك توضيحاً لموقفك الذي أعرف مدى صدقه جيداً بشكلٍ شخصي، كما أنني لن أستطيع أن أكون محايداً هنا، خاصةً وأني أفهم تماماً حساسية الفرد السوري إزاء ما يخدش الالتفاف الوطني والوطن كرمز وامتداداته القومية، فما بالك بالحكومة، ألا توجد صيغة أكثر لطفاً لملاحظات التنوريين والإصلاحيين ـ كما أسميتهم ـ على النظام، وهل استخدام منابر إعلامية معادية يخدم قضاياكم كإصلاحيين؟
ـ لا أفهم كيف تعّرف مصطلح منابر إعلامية "معادية" أنا أعتقد أن كل منبر إعلامي يحدّ من حرية التعبير المسؤول ويرسم "خطوط حمراء" له يتحول "مجازا" إلى منبر معادٍ! لا يمكن أن تكون المنابر معادية إلا إذا أردنا لها أن تكون كذلك من خلال النص الذي نطرحه. المنبر غير مسؤول عن انزلاقاتنا وانحرافاتنا السياسية، وهو يصير "معاديا" إذا ما اعتلاه النفعيون والمغرضون الذين يتخذون من شعار الإصلاح مطية للعودة إلى العمل السياسي من الطاقة بعدما أُخرجوا منه من البوابة. المنابر الإعلامية ـ مهما كانت الجغرافيا السياسية التي تنتمي إليها ـ حيادية حكما، أما النفعية و"الأنا" السياسية المتورمة فهما انحراف مع سابق الإصرار والترصّد.
* وكيف برأيك يمكن إقناع أي نظام في العالم بالفرق بين الإصلاح والمعارضة إذ أن المسافة بينهما تكاد تكون معدومة، خاصةً وأن الطرفين يتبنيان نفس اللهجة تقريباً؟
ـ ذلك يتم من خلال مصالحة وطنية سوريا بأمس الحاجة لها، نجلس جميعا على طاولة واحدة من أجل البلد وأهل البلد، لا من أجل المناصب والوجاهات والحسابات البنكية. سؤالك أحالني إلى إسقاط ميثيولوجي للحالة السورية كنت قد صوّرته في نص يحمل اسم: "جلجامش مستعيداً الجولان" وأنا أحب أن أشارككم إياه هنا: " تفيد الألواح البابلية التي نقشت عليها أسطورة مدينة أوروك وملكها جلجامش، أن الأخير في رحلته عبر غابة الأرز باحثاً عن الخلود من خلال القضاء على الوحش المرعب هناك، وحين عودته منتصراً ودخول أوروك، شاهد السور الذي بناه شعبه حجراً حجراً لحماية المدينة! عندها فقط، أيقنَ أن جوهر الخلود يكمن في هذا السور المتعالي رامزاً لوحدة شعبه وإرادته وتصميمه على الحياة".
سوريا الوطنية اليوم بمسيس الحاجة إلى ما يقارب هذه الوحدة وتلك الإرادة وذاك التصميم البليغ على بناء مستقبل يسوده السلام والمشاركة والائتلاف الوطني. سوريا بكل أطياف أبنائها وانتماءاتهم السياسة والعقائدية والدينية، سوريا المعارضة الوطنية والموالاة "اللانفعية" أيضاً، على موعد مع شرعنة المستقبل باحتمالاته واشتقاقاته كافة، على موعد مع رفع سور أوروك الجديد، سور المصالحة الوطنية، السور المانع والجامع لكل مبادرات السلام أو الحرب في آن.
* المقاربة بين الشرق والغرب وتلك المصالحة الصورية..وذلك العنوان الكبير، هل هو حقاً يمد جسورا إيجابية بيننا، هل انا محق في أن ذلك الحوار قد تدمره عملية متطرفة واحدة من أيّ من الطرفين؟
ـ هي ليست صورية، ولا يجب أن تكون صورية؛ هي مصالحة بين الشعوب، لا الحكومات! الشعوب هي التي تأسس للحوار لا الحكومات، الشعوب أولا ثم الحكومات. أنا أرى أن الحوار لم يتوقف رغم كل العمليات التخريبية الكبرى ابتداءً من عمليات أيلول، وصولاً إلى عملية بغداد الأخيرة، ولو أن هذا الحوار كان يعاني من اللهاث أحيانا، إلا أنه لم يصل أبدا إلى درجة القطيعة بين شرق وغرب. إحياء وتجديد الحوار هي إحدى المهام التي أراها فرض عين علينا نحن، من خلال تواصلنا مع الحراك العالمي هنا في الوطن المختار، وارتباطنا النوستالجي بمستحقّات حليب الذاكرة في الوطن الأول. يجب أن تبقى الجسور مرتفعة بين الواقع هنا.. والذاكرة هناك!
* ما الذي تغير على أرض الواقع عموما؟ من جانبك وبشكل مؤسساتي، أسست مؤسسة الوارف للدراسات الإنسانية، بم تحدثينا عنها؟
ـ أهم المنجزات التي نلمسها اليوم على أرض الواقع هي الرفض العام والشعبي في المجتمعات الإسلامية للعنف بكافة تجلياته وممارساته، لفظية كانت أم ميدانية! هناك حراك في المجتمعات الإسلامية بعامة يحفّز إعادة إنتاج ثقافة السلام، وقراءة الدين الإسلامي بعين مستنيرة لاستشراف الحالة المدنية فيه.
أما عن معهد الوارف للدراسات الإنسانية فهو مؤسسة غير ربحية وغير حكومية، مقرّها لعاصمة الأميركية واشنطن، على هيئة مركز بحثي، إعلامي، إخباري، مستقل؛ مركز رديف لقوى التنوير والسلام والتعايش بين الشعوب والثقافات والحضارات كافة، في اتجاه بناء ثقافة إنسانية جامعة. يولي المعهد اهتمامه إلى حزمة من القضايا، تعتبر قاسماً مشتركاً في سلّم الأولويات الإنسانية، وعلى رأسها إشاعة الحريات العامة، وتمكين أسس الدولة المدنية، وحماية حقوق الإنسان عبر العالم، مع التركيز بشكل خاص على المناطق التي لا تزال تفتقر إلى أسس تلك الأولويات في دول الشرق الأوسط و شمال إفريقيا والخليج.
الوارف هو جسر أكاديمي يعمل على إنعاش الحوار حول ضرورة العودة إلى الدولة المدنية، وتحفيز النخب السياسية والفكرية والثقافية على الخوض في هذا الحوار عبر القنوات الإعلامية. ويقدّم المعهد مادة ثرية في شأن ثقافة المجتمع المدني، ما يعمق الإحساس بأهميته، ويحفّزعلى المساهمة في بنائه و تعزيزه. ويؤسس للحوار الجاد والندّي بين مختلف الثقافات والحضارات والتجارب الإنسانية من أجل صياغة ثقافة إنسانية مشتركة بين شعوب الأرض؛ ثقافة تتخذ من الحرية منطلقاً، والديمقراطية نهجاً، والإدارة الراشدة أداةً، وصولاً إلى تحقيق توافق إنساني عالمي يشكل ظلا وارفاً يعيش الكل في رحبه في سلام مديد.
* لماذا تعملين 16 ساعة؟ إلى أين تريدين الوصول؟
ـ من قال أني أريد أن أصل؟ أنا لا أريد الوصول.. أريد أن أبقى أطير؛ الوصول موات ـ الطيران مقتله!
هذا الحوار لم ينته، ولا أعتقد أنه يريد أن ينتهي، سأحاول أن تكون الخاتمة خير الكلام : نصاً للشاعرة مرح البقاعي يحمل عنوان: كلام
كلما أردتُ أن أنجوَ
اعترضني صفٌٌّ من شجر الكستناءُ..
لحبّةِ الكستناءِ ملمسُ جلدك الأسمرِِ العاصي
ولها انفجارُ أخضرِ الرغبات
في شديدِ مطرِ الحب
ولها نارُ المغاورِ
حيث علّقَ المحاربون نياشينهم ـ
التي من خبزٍ وغناء ـ
ثم ذهبوا...
*
كلما أردت أن أنجوَ
ردّني وهجُ ارتطامِ الماءِ بالصخرة العالية
ردّتني أحصنةُ الكلام،
تقاسيمُ النبيذِ التي من خميرةِ الشهوات،
التوتُ البريّ الذي لا يتكاثرُ إلا على فراشك،
ليونةُ العشق التي من حرير وخيزران،
اشتعالُ النسغ في موسمِ زواجِ الأيائل،
حفيفُ جسدين تحت قبّةِ معبدٍ عتيق،
ضوءُ غرفِ العرّافات الغامض،
القصيدةُ ـ سليلةُ فخّارِ الأقبية الرطب.
*
كلما أردتُ أن أنجوَ
رميتَني إلى كومةٍ من القشّ المحروق
لا جلالة الليل تشفع لي
ولا انحناء النواقيس
ولا ذهبُ الغبارِ
ولا التخلّي.
*
كلما أردتُ أن أنجوَ
خذلتْني يدايَ ـ
اللتان ذهبتا ـ
في نهرِ يديك!
كيف أكتبُ حكايتي الآن
والكلامُ صار زبد؟